IMLebanon

دستورية… غير أخلاقية

 

سيكون الرئيس حسَّان دياب ساذجاً أو خبيثاً لو اعتقد أننا سنهنّئه على تتويجه “إنجازاته” التاريخية بتعيين مجلس إدارة لكهرباء لبنان. فما تفضَّلتْ به علينا حكومته مَدخلاً لمعالجة أكبر باب للهدر في تاريخ “الجمهورية الثانية” جاء متأخراً بالتأكيد، وبعد مجموعة “بهدلات” من الدول المانحة التي اشترطت سدَّ مزراب النهب الكبير. أما أسلوب التعيين فهو فضيحة على المستوى الأخلاقي.

 

ليس أتفه من مسرحية الدُمى هذه التي ألَّفها وأخرجها أهل “الممانعة” ونالت ثقة برلمان”المنظومة” إلا الطريقة التي عرضَ بها وزير الطاقة، خليفة سيزار أبي خليل، مشروعَه لتعيين أعضاء مجلس الإدارة على معالي الوزراء المحترمين.

 

فالوزير العوني “المستشار” افتتح اقتراحه بـ”الأسباب الموجبة”. وليس أحبّ على “التيار البرتقالي” من تعبير “مقتضيات الوفاق الوطني”، وعلى هذا الأساس رسمَ معاليه جدولَ المرشحين المبَشَّرين بجنة الكهرباء تبعاً للتوزيع الطائفي. هذا ماروني وأرثوذكسي وكاثوليكي، وذاك سني وشيعي ودرزي، باعتبار ان التزام المناصفة مَكرُمةٌ وأن العقد الوطني مكتملٌ بالطوائف الست، وبالتالي لا ضرورة لـ”فراطة” الأرمن والعلويين والأقليات المسيحية السابق وجودها على إعلان دولة لبنان الكبير.

 

يمكن الحكم لاحقاً على الأهلية العلمية للمرشحين. ومَن يجرؤ على التشكيك في حجم طوائفهم والتعرض للأبواق الجاهزة دفاعاً عن “مكتسبات” المذاهب؟ لكن المثير للاستياء ان الوزير ومعه مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية الذي “يرأس الجلسة إذا حضر” – وهو حضر- أقروا صفقة محاصصة زبائنية حزبية مقيتة تحتقر آلية تعييناتٍ أقرها مجلس النواب بقانون، واعتدوا على حقوق مرشحين محتملين عبر تمييز متعمّد لم ينص عليه قانون ودستور.

 

لا يغيب بالطبع عن السادة المجتمعين أن المناصفة بين المسلمين والمسيحيين ملزمة في وظائف الفئة الأولى فقط، لكن فاتهم حتماً أن سَحبَها على سائر المناصب يجب ألا يستبعد مسبقاً الأكفاء غير المستزلمين أو أبناء الأقليات المستضعفين لأن في ذلك انتهاكاً فاضحاً لحق أصلي من حقوق أي لبناني وهو المساواة في كل ما لا نصَّ مانعاً فيه. لكن الواضح ان الممارسات السابقة أرخت بظلالها على حكومة دياب التابعة، فمَن احتل وسط بيروت سنة ونصف السنة وعطل لأكثر من سنتين انتخابات رئاسة الجمهورية بحجة “الرئيس الأقوى”، وأخَّر تشكيل الحكومات أشهراً مُكلِفة لتوزير صهرٍ أو محازب، واحتجز مرسوم مأموري الأحراج بحجة “مقتضيات الوفاق الوطني”، تسهل عليه متابعة هذا النهج الممجوج على أنقاض دولة تنهار، وعلى مرأى من اللبنانيين الجائعين والمنتحرين والمنتفضين.

 

لا تشكل طريقة تعيين مجلس ادارة الكهرباء مخالفة دستورية، لكنها مخالفة أخلاقية بالتأكيد. قيل قديماً “مَن أمِنَ العقاب أساء الأدب”، وحكومة حسان دياب مثل “المنظومة الفاسدة” التي أنجبتها، مطمئنة وآمنة إزاء أيّ حساب أو عقاب في المدى القريب.