تحوّلت البيانات التي تلي جلسات مجلس الوزراء، وتحديداً تلك التي تُعقد في السراي الحكومي، مِنبراً تتمّ من خلاله عملية تدوير لفحوى المُقدّمات إيَّاها، وإعادة تصنيع للبضاعة الكلامية ذاتها، التي يمتشقها كالسيف “الشخص”، “سيّد الإنجازات”.
أما المُقرّرات التي ترتبط بنزر يسير مُتعلّق بشؤون المواطنين المعيشية، هذا اذا وُجِدت، فهي بالكاد تستوجب إضافة بضعة أسطر في ذيل البيان. ولا لزوم لأكثر من ذلك ما دمنا في زمن التقشّف، وما دامت علاقة “الشخص” مع الشعب على خير ما يُرام. فهي تنبض بالمحبّة والإلفة وفيض المساعدات المالية وسلّة الغذاء الموعودة، والقطار الذي يسير على السكّة بالرغم من العراقيل. طبعاً على ذمّة وزيرة الإعلام.
لكنّ التدوير لا ينتقص من غِنى المنبر الزاخر بالإبداعات، وآخرها درس من عيون الفقه السياسي في التمايز بين “الدولة” و”السلطة”. و”كلّما أخطأت السلطة، تتحمّل الدولة وِزر أخطاء السلطة، مع أنّ الضحيّة الأولى لكلّ الأخطاء هي الدولة بمفهومها الحقيقي… وليست الدولة هي التي أخطأت بالسياسات المالية التي أوصلت البلد إلى الإنهيار، السلطة هي التي أخطأت”… و”نحن جاهزون لنشرح بالتفصيل لكلّ من لديه رغبة بمعرفة الحقيقة، لأنّنا نطمح إلى حلول حقيقية للوضع الذي وصلنا إليه”.
صحيح أنّ تحقيق الطموح دونه المؤامرة التي يواجهها “سيّد الإنجازات”، بكل أشكالها وأنواعها. منها تلك التي تنشُط خلاياها الخبيثة في الخفاء، مُتربّصة بجهوزية الحكومة الغارقة في العمل الدؤوب، والتي يتمّ التصدّي لها على مدار الساعة.
ومنها تلك التي تفشل في إفشال هذا العمل الدؤوب، كما حصل مع النجاح المُنقطع النظير، في إنجاز التواصل الأول لـ”الشخص” مع طرف خارجي هو الحكومة العراقية، بالرغم من الجهود المُغرضة لإجهاض التعاون المُثمر لإنقاذ الإقتصاد من الإنهيار، مع أنّه لم يصل الى مرتبة “حبر على ورق” حتّى.
ومنها الحبر السرّي الذي يستلّ رسائله المشفّرة من وِفرة الغباء العلني المجاني. ومنها مؤامرة تحريك الشارع خدمة لأجندات خارجية تعتبر أنّ إسقاط “الشخص” وحكومته هدف سامٍ، ولا تُخفى الا على أعمى البصر والبصيرة.
أما العجيب، فهو أنّ البضاعة الكلامية لـ”الشخص”، تستند في روحيتها الى الدُرر التي لطالما دبّج بها بشار الأسد فنّ الخطابة في الأدب السياسي المُعاصر، كاجتهاده بجملة “يقولون دائماً أنتم تفكّرون بالمؤامرة، لا توجد نظرية مؤامرة، توجد مؤامرة في العالم، المؤامرة جزء من الطبيعة الإنسانية”. أو جملة أخرى خفيفة الظلّ تهكّمية، هي: “أبدأ بالمؤامرة، ثم أنتقل لوضعنا الداخلي، لأنّ الفضائيات ستقول الرئيس السوري اعتبر كل ما يحصل مؤامرة من الخارج”.
الإستعارات كثيرة، وهي ليست مقصودة مُتعمّدة، كأنّها تأتي عفوية. وعلى ما يبدو، يطيب لـ”الشخص” أن يستلهمها لإغناء قاموسه، وكأنّ فيه شيئاً من بشّار. أو هو الحلم العصيّ عن التحقيق، لِعِلَّةٍ في الصيغة اللبنانية، التي لا تفتح الباب لمجد يُراوده بأن يبقى “قائدنا الى الأبد”، فيكتفي بمثل هذه المقدّمات التي يُكرّر فيها “المؤامرة” و”الأزمة” و”الأحداث”، بوجه خالٍ من التعبير، وعيون فارغة تُشاهد ولا ترى… والتي ستُدرج قطعاً في سجله الذهبي، أبعد الله أوان إصداره، وأطال عمر احتلاله كرسيّ السلطة في اللادولة، التي لا يُجيد في الأصل إدارتها.
ويا محاسن الصُدَف…