لا داعي ليستفيض رئيس الحكومة حسان دياب في شرح مأسوية المشهد وسوداويته أمام زواره، كي يتيقن هؤلاء أنّ التعب يثقل محياه، وأن تراكم الأزمات وتعقيداتها يرفعان من منسوب قلقه وخوفه، فيما تشتد الحملات بوجهه، وبعضها محق، والبعض الآخر استعراضيّ شعبوي، فيما الكثير منها فيها تجنّ بحقه. ولكن رغم ذلك، لم يفقد الرجل الأمل ويرفض الاستسلام، ويتمسك بقشّة بالكاد تكون مرئية. يدرك الرجل أنّه دخل السراي الحكومي على “جثة متحللة”، ينتظرها المجتمع الدولي على ضفة النهر. وبعض الداخل ليس أفضل حالاً. وحدها الاصلاحات الجدية التي تطال الدولة العميقة، قد تكون المعبر إلى الإنقاذ. لكن المنظومة الحاكمة، حتى لو جلست على مقاعد المعارضة، تعاند كسر حلقة مصالحها ولو ادعت نَفَساً اصلاحياً لا يُسمع إلا على منابر المزايدات… ومع ذلك تراه يرفض رفع الراية البيضاء.
لا يدعي أبداً أن سلوك حكومته ممتاز أو خال من الشوائب، لكنه في المقابل يشكو من حملات ظالمة تطاله لحسابات سياسية بحتة. ويشير إلى أنّه مستعد لتصحيح أي خطأ قد يتم ارتكابه، كما يحصل مثلاً في مسألة السلة الغذائية التي سيُعمل على تنقيحها كي تقوم بالمهمة المرجوة منها لناحية تخفيف الفاتورة الغذائية. ولكن لا يمكن بنظره ترك المركب يغرق بلا أي محاولة جدية لوقف الانهيار.
يقول أمام زواره إنّ جائحة كورونا خرّبت اقتصادات العالم، وزادت من مصائبنا مصائب. ولا يجوز بالتالي تحميله ما عجزت عن تحمّله كبريات الدول. ومع ذلك يحاول جاهداً التقدم في حقل مزروع بالألغام والعوائق الحديدية. صحيح أنّ الأمور بلغت قيعاناً عميقة قد يستحيل الخروج منها، لكنه لا يزال مؤمناً أنّ الفرصة متاحة.
هذه الفرصة، تعود بنظره إلى ثلاثة عوامل: الجدية التي تتعامل فيها الحكومة العراقية مع لبنان في هذه اللحظات بالذات، وعودة المياه إلى مجاري المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وقناعة القوى الداعمة للحكومة أنّها آخر “الهنود الحمر”!
لا يتردد دياب في القول صراحة إنّ المشاورات مع الحكومة العراقية قطعت شوطاً مهماً، يفترض أن تترجم في وقت قريب من خلال زيارة يقوم بها دياب إلى بغداد، أو يبادر رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي إلى زيارة بيروت لتوقيع اتفاقيات التعاون التي من شأنها أن تبعث بعض الأوكسجين في جسد المالية العامة اللبنانية. يقول إنّ حصول لبنان على نفط عراقي بأسعار مخفّضة، سيؤدي إلى تقليص فاتورة النفط بحوالى ملياريّ دولار سنوياً، وهو ما يعتبر انجازاً في هذا الزمن القاسي.
أكثر من ذلك، يتحدث دياب عن تأكيدات تلقاها من الحكومة الكويتية حول امكان مساعدة لبنان في وقت قريب جداً، فيما وجّهت قطر أكثر من رسالة ايجابية تعبّر عن رغبتها في مدّ يد المساعدة. وهو يعوّل على احداث هذه الثغرة في جدار الأزمة. في موازاة ذلك، يعتقد أنّ عودة المفاوضات الجدية مع صندوق النقد الدولي بالتوازي مع التنسيق الجاري مع حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف حول الأرقام والمقاربات، من شأنهما أن يرفعا من آمال اقناع صندوق النقد بجدية لبنان في اجراء سلّة الاصلاحات. هنا، يتحدث عن خطابات شعبوية حوّلت المشهد اللبناني أمام صندوق النقد، إلى مشاهد متناحرة، فيما الحكومة لم تقفل الباب أبداً أمام الحوار مع مصرف لبنان أو جمعية المصارف، ولم يكن هناك من داع لتلك المزايدات غير المجدية!
وفي السياق عينه، يشير دياب إلى أنّ تطورات الأسابيع القليلة الماضية بما حملت من خطورة أحاطت بالاستقرار الأمني والاجتماعي، دفعت القوى السياسية، أقله الداعمة للحكومة، إلى التعامل معها على أنّها الأمل الأخير المتوفر، ولذا لا بدّ من دعمها. هكذا يعتقد أنّ هذه الأجواء قد تتيح خوض غمار الاصلاحات الجدية بلا عراقيل كبيرة من جانب المنظومة السياسية. وبناء عليه، قد تكون المرحلة المقبلة هي مرحلة الاصلاحات الكبيرة، خصوصاً وأنّ صندوق النقد يمنح لبنان فرصة جديدة يفترض بالقوى السياسية أخذها بالاعتبار والتصرّف على هذا الأساس.
ماذا عن الموقف الأميركي؟
من قبيل الصدفة، أنّ الجردة التي قام بها دياب حصلت قبيل ساعات قليلة من لقائه السفيرة الأميركية دوروثي شيا. ولذا أشار أمام زواره إلى أنّه سيستغل اللقاء ليبلغ الديبلوماسية الأميركية أنّ نيّة لبنان للتوجه إلى التعاون مع الصين أو مع العراق، جدية، اذا ما أصرّت الولايات المتحدة على محاصرة لبنان، وإلا عليها أن تعيد النظر بسياستها تجاه لبنان.
وبالفعل، تقول مصادر رئيس الحكومة إنّ اللقاء مع شيا اتسم بالودية والايجابية حيث تمّ توضيح بعض النقاط العالقة، فيما حرصت السفيرة الأميركية على التأكيد أن الولايات لا تتخذ موقفاً سلبياً من لبنان ولا حتى هي بصدد محاصرته. وقد تمّ التطرق إلى مدى جدية لبنان في الانفتاح الاقتصادي على الصين وايران، حيث حرص دياب على الإشارة إلى أنّ لبنان جسر بين الشرق والغرب ولا يريد أن يدير ظهره للغرب، لكنه لن يسمح بأن يجوع أبناؤه.