حتى كتابة هذه السطور عصر أمس، لم يكن أحد قد تبلّغ بالجهة او الشخص الذي تحدث عنه الرئيس حسان دياب متّهماً إيّاه بإجراء اتصالات مع دول عربية لـ«ألا تقدّم المساعدة» للبنان. واعتبار فعلته «أقرب إلى الخيانة الوطنية»، فقد كشف النقاب عن معرفته باتصال أجراه الرئيس سعد الحريري برئيس الحكومة الكويتية الشيخ صباح خالد الحمد الصباح مؤخراً، وهو ما قرأة على النحو الذي جرى. وعليه، ما هي تداعيات هذا الاتصال إذا حصل؟ وهل هو الذي منع المساعدة؟
بالأمس القريب لم تكن المرة الأولى التي يتحدث فيها رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب عن الحصارين الداخلي والخارجي الذي تتعرض له حكومته والإنقلابات التي تدبّر له. فمنذ الجلسات الأولى التي تَلت تشكيل حكومته في 21 كانون الثاني الماضي واظَب على كيل الاتهامات، ولم يوفر مناسبة ليقدم المزيد منها من دون ان يسمّي المقصود باتهاماته، وهو ما وَسّع دائرتها في اكثر من اتجاه ما أوحى بأنها، وإن صحّ وقوعها، فهي تشير الى «متّهم مجهول» ارتبط اسمه بحسب المناسبة و«على القطعة».
فبعد أحداث 6 و12 حزيران الماضي رفع رئيس الحكومة من لهجته وتحدث عن «انقلاب كبير» كان يدبّر له ونجح في إفشاله. فتوجّهت الأنظار في الكواليس الحكومية والسياسية والحزبية الى بعض القوى الأمنية، وخصوصاً عندما طلب من المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان في إحدى جلسات مجلس الدفاع الأعلى التي تلت الموجة الأولى من العنف في 6 حزيران، تبرير التأخير الحاصل في تدخل القوى الأمنية ووحدات مكافحة الشغب تحديداً لوقف الاعتداءات التي ارتكبت في وسط بيروت، والتي نقلت مباشرة على شاشات التلفزيون واستهدفت سلسلة المؤسسات المصرفية والمحلات التجارية. فتحدث يومها اللواء عثمان عن تأخيرٍ حصل لمدة لا تزيد على «10 دقائق» كانت ضرورية لإعادة الانتشار في صفوف القوى الأمنية في المنطقة بعدما كانت موزّعة على اكثر من محور قبل خرق المتظاهرين الطريق المؤدي الى ساحة النجمة. وهي فترة وجيزة كانت كافية ليتسلل «المخرّبون» من خلال نقطة الضعف المكتشفة في احدى المؤسسات التي فتحت الطريق من شارع الى شارع في محاذاة «حائط» من الباطون المسلح يستحيل خرقه.
ولا ينسى العارفون يومها حجم اللوم الذي تلقّاه الرئيس دياب من اكثر من مرجع رسمي أمني وسياسي. فحديثه بتلك «اللهجة الصادمة» فاجأ الجميع من دون استثناء، خصوصاً انه تحدث عن «انقلاب فاشل» لم يَدرِ به أحد ولم يتبلّغ بتفاصيله رأس الدولة رئيس الجمهورية ولم يتبلّغ أيضاً الوزراء المعنيون بالدفاع والأمن ولا القيادات العسكرية والأمنية، والذين من المفترض أن يتولّوا مهمة «التصدي» له و«إفشاله» قبل مقاضاة مُرتكبيه.
ولم تُطوَ الصفحة في تلك المرحلة عند هذه المحطة، فقد واصَل دياب لهجته التصعيدية في حديثه عن المؤامرات التي تُحاك ضده، والتي لم يُجاره أحد من الوزراء ولا السياسيين ولا الاعلاميين بالطبع وصولاً الى اتهام الجهاز الدبلوماسي في لبنان بالخروج عن كل القواعد الدبلوماسية المعتمدة في المواثيق والإتفاقيات الدولية. ولم يسانده سوى قيادة «حزب الله» وأقرب حلفائهم من مواقع مختلفة سياسية وحزبية. كان ذلك في أعقاب «الهزّة العابرة» التي تسبّب بها قرار قاضي الامور المستعجلة في صور محمد مازح الذي منع السفيرة الأميركية شيا من الادلاء بأيّ تصريح، كما منع المؤسسات التلفزيونية اللبنانية من استقبالها. وما زاد في الطين بلة، انّ دياب فتح النار في لحظة كانت الاتصالات قد أدّت الى تطويق ذيول القرار «المستغرب». وذهبت الامور بعد استدعاء الخارجية للسفيرة شيا في اتجاه إحالة القاضي الى هيئة التفتيش القضائي بالنظر الى حجم المخالفة والتي عُدّت خرقاً لمضمون المادة 95 من «قانون القضاء العدلي» التي تتحدث عن «مدى أهليته» بالبقاء في السلك القضائي قبل ان تنتهي الى ما انتهت إليه من استقالة مقبولة.
وعلى الرغم من تلك المحطات التي اعتقد البعض أنها عبرت وطويت بعد ان كَرّم دياب السفيرة شيا – وصار في خبز وملح بينهما – فقد جَدّد رئيس الحكومة في جلسة مجلس الوزراء الثلاثاء امس الأول الحديث عن وجود تقارير تحدثت «عن خطة لعرقلة الحكومة من داخل الإدارة»، لافتاً أيضاً الى «انّ هناك من يقوم باتصالات مكثّفة وجهود مضنية حتى يُقنع الدول العربية التي لديها رغبة بمساعدة لبنان، ألّا تقدّم أي مساعدة». وعلى وَقع توجيه الإتهامات باتجاه لم يحدده كما في السابق، قال إنّ ما «سمعناه من أشقائنا في الدول العربية عن الاتصالات التي حصلت معهم من بعض السياسيين اللبنانيين مُخجل فعلاً». وأضاف بالمنطق عينه: «هذا شيء معيب، وأقرب إلى الخيانة الوطنية».
وعلى وَقع الصدمة الجديدة التي لم يرحّب بها أحد سوى قلة سياسية، لم تُشر أيّ جهة بعد الى ما قصده دياب علناً. وفي الوقت الذي احتفظ فيه رئيس الحكومة بسِرّه، التزمَ الى جانبه اكثرية الوزراء الذين سُئلوا عن الجهة المقصودة فلم يجدوا من يتّهمون. والى رفع المسؤولية عنهم، رَدّ معظم من سُئلوا السؤال طالبين إحالته الى «السيّد الرئيس» الذي لم يسأله أحد لا في الجلسة ولا بعدها عمّا قصده. وما الذي قام به هذا «السوبرمان» ليخربط على الحكومة ما تنوي القيام به، ومنع مجموعة الدول العربية والخليجية منها بنوع خاص وَقف مَد يَد العون الى لبنان في ايّ ميدان ومجال. فهي كثيرة، والبلد الصغير المأزوم يحتاج الى كل شيء في مختلف القطاعات والمجالات.
على هذه الخلفيات، وجد من يكشف السر، وقال أحد العارفين انه وبعد زيارة الموفد الرئاسي الى امير الكويت المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، وقبل الجلسة بقليل تَوفّرت للرئيس دياب معلومات عن اتصال مطوّل أجراه الرئيس سعد الحريري برئيس الحكومة الكويتية الشيخ صباح خالد الحمد الصباح، حيث تمّت «المؤامرة» التي أشار اليها الرئيس دياب. وبالرغم من انّ ما نقله اللواء ابراهيم عمّن التقاهم تعهّداً بالمساعدات الكويتية الوافرة، فإنّ من بينهم، الى جانب الامير صباح الاحمد الصباح، رئيس الحكومة الكويتية الذي تلقى اتصالاً من الحريري. وهو ما أوحى بعكس ما يمكن ان يؤدي اليه اتصال الحريري إن حصل بالصيغة «المؤامراتية» التي قرأها دياب واستحقت تهمة «الخيانة الوطنية العظمى».
وبانتظار أن تَتكشّف المزيد من الحقائق سواء لنَفي خبر حصول الاتصال والتثبّت من توقيته ومضمونه، لا يمكن لأحد ان يقبل بأن تبقى هذه التهمة معلّقة على الصفحات الاعلامية والمواقع الالكترونية يتبادلها الجميع عبر وسائل التواصل الإجتماعي، وانه من الضروري إتمام الإجراءات التي تؤدي بمرتكبها، أيّاً كان موقعه وحجمه، الى القضاء المختص.
وفي قناعة قانونيين انّ التهمة «كبيرة وفظيعة» ولا يمكن السكوت عنها شرط إثباتها. فهل يعقل ان يتمكن الحريري من منع رئيس الحكومة الكويتية تنفيذ توجهات أمير الدولة؟ وهل سيعطّل المبادرتين العراقية والقطرية إن وجدتا؟ وهل يمكنه تعطيل مهمة «الموفد الرئاسي» الذي يحظى شخصه باحترام مختلف المراجع العربية والغربية والدولية قبل ان يحمل الصفة الرئاسية. وهل من المعقول ان يتعرّض الموفد لِمثل هذا «المكمن الخطير» ويبقى المعنيون بالمعالجة بمختلف وجوهها السياسية والقضائية صامتين كـ«أبو الهول»، يترددون في اتخاذ اي خطوة أُدين صاحبها بـ«الخيانة العظمى»؟ وماذا لو أكمل صاحب التهمة اتصالاته بالمراجع الدولية فهل سيوقف برامج المساعدات الأخرى ويعزّز الطوق على الحكومة من كل الاتجاهات؟