Site icon IMLebanon

دياب يُمعن في هدم مكانة الرئاسة الثالثة… ويُمهّد لتغييرات في الإدارة

 

«وصفة» الإنقاذ بحوزة العهد والحكومة… لكن طريق الإصلاحات والنأي بالنفس مُقفل

 

 

مُذهل ما يقوم به رئيس الحكومة حسان دياب، لا بل أضحى من العار الانحطاط الذي يُصيب موقع الرئاسة الثالثة في البلاد الذي يؤكد ساكن «السراي الكبير» مع إطلالة كل يوم جديد أنه لا يفقه في السياسة شيئاً، ولا يعي ماذا يُشكّله موقع رئاسة الحكومة في النظام اللبناني والذي تحوَّل ألعوبة في يد مَن هم داخل السراي ومَن هم خارجها. في الداخل، رئيس تكنوقراط جاهل ومستشارون بلا حكمة يفيضون نقصاً في المعرفة وقلة الإدراك وقصر النظر، وبدل أن يصونوا السلطة التنفيذية ويسهموا في تعزيزها بترسيخ مفاهيم الدستور والقانون، يدفعونبها إلى الحضيض. وفي الخارج، قوى سياسية تُشكل الغالبية البرلمانية ينتمي إليها العهد وتياره وداعمو نظام بشار الأسد، رافعتها «حزب الله»، الذي يقود المقود من الخلف، مُتيحاً هامشاً من الحرية لشريكه في «الشيعية السياسية» من موقعه المتميّز والمتقدم في لعبة الشطرنج اللبنانية، وفهمه للخطوط الحمر التي يرسمها راعي «محور إيران» في لبنان.

 

لم يرق توصيف المعارضة السياسية للواقع الداخلي إلى توصيف دياب في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء حيث قال إنه «لم يتم توقيف أو محاكمة أي تاجر رغم أن الأسعار تحلّق من دون رادع. تجار المازوت يتحكمون بالسوق ويبيعون المازوت في السوق السوداء، وتجار السياسة يلعبون بسعر الدولار. هناك تحركات احتجاجية من شركات ومتعهدين وقطاعات، بعضها مشبوه الأهداف بالتوقيت، ويحمل إما أبعاداً سياسية أو ابتزازاً للدولة».

 

كلام دياب يُشكّل فضيحة على أكثر من مستوى، يضع اللائمة على «عدّة الشغل» داخل الإدارة ويتهمها بعرقلة الحكومة، ممهّداً لتغييرات ينوي القيام بها في الإدارة لأسباب سياسية بعدما كان يرفض سابقاً «الضغوط عليه بتغيير «العدّة»على قاعدة أننا لا نستطيع أن نعمل بـ«عدّة» غيرنا، وكان يُصرّ على أن هذه «عدّة» الدولة وليس «عدّة» قوى سياسية ولا «عدّة» أشخاص وتمسّك بها لكنها صارت مكشوفة كثيراً».

 

على رئيس الحكومة أن يسأل عن علاقته بالدول العربية وممثليها في لبنان وعن نظرتهم إليه وإلى حكومته والعهد وراعي المنظومة كاملة

 

مَنْ هم هؤلاء في إدارة الدولة ويُفترض أنهم من كبار الموظفين كي يستطيعوا أن يفتعلوا عراقيل بالدولار الأسود وغلاء الأسعار والكهرباء والنفايات والمازوت والبنزين والترابة وغيرها من الملفات،عن أي مواقع في الدولة يتحدث دياب؟ هم يُفترض أن يكونوا ممن يتوفر لهم غطاء لكي يكونوا جزءاً من «المافيا» المتحكمة؟ هل يريد رئيس الحكومة أن يقنعنا أن موظفين محسوبين على المعارضة، ولاسيما على تيار المستقبل والحزب الاشتراكي والقوات اللبنانية، قادرون على أن يسيروا في الإدارة عكس التيار السياسي الحاكم فيما القيّمون عليهم سياسياً يسيرون «جنب الحائط»، يُهادنون «حزب الله» رغم إدراكهم الأثمان التي يدفعها لبنان نتيجة زجّه من قبل»الحزب» كذراع إيرانية في سياسة المحاور في المنطقة وفي أتون الصراع مع أميركا. ألا يصل إلى مسامع دياب أنّ مَن كانوا يوماً يُصنّفون في خانة القوى السيادية ارتأوا أن يقفوا متفرجين على المواجهة الدائرة بين واشنطن وطهران على الساحة اللبنانية، إما لأنهم غير راغبين أو غير قادرين على الانخراط في نزاع داخلي سيُعيد البلاد إلى حرب أهلية جديدة، بينما الحلول هي ذات طبيعة إقليمية ودولية؟

 

ثمة غرابة أن يتلذذرئيس الحكومة بأخبار يُسرّبها حيناً عن كيفية إهانته لسفيرة الدولة العظمى التي يتوق إلى دعمها، وأن ينتشي بانتقادات يوجهها حيناً آخر إلى سفير المملكة العربية السعودية التي هي «المفتاح للدول العربية والشقيق الأكبر للبنان»،وفق تعبير المدير العام للأمن العام عباس إبراهيم من دارة السفير السعودي وليد بخاري. والاستهجان يصل إلى غلو دياب في اتهام مسؤول حزبيبـ»الخيانة الوطنية» لإقناعه دولاً عربية لديها رغبة بمساعدة لبنان بألاًّ تُقدّم أي مساعدة. أراد زعيم المستقبل سعد الحريري من ردّه القول بأنه المستهدف، ولكن ألم يفطن رئيس الحكومة بأن الدول العربية تسير بموجب سياسات يحددها قادتها ومصالحها وعلاقاتها وتحالفاتها؟ وأن عليه أن يسأل عن علاقته بهذه الدول وبممثليها في لبنان، وعن نظرتهم إليه وإلى حكومته وإلى العهد برمته وإلى الراعي الأكبر لكل هذه المنظومة. أَوَلَم يَسُرّ له أحد ممن رافقوا حكومتيّ الحريري الأولى والثانية في عهد ميشال عون أن الرياض تحديداً سجَّلت الكثير من الملاحظات على «الابن المدلّل»،واعتبرت أنه قدَّم تنازلات أضرَّت به وبالمصلحة اللبنانية؟

 

فالوصفة التي من شأنها أن تضع لبنان على سكّة الإنقاذ يُدركها جيداً رئيس الحكومة، وقد سمعها من الممثلين الدوليين في مجموعة دعم لبنان ومن الدول المانحة في مؤتمر سيدر ومن القيّمين على صندوق النقد، وهي تتمثل بعنوانين أساسيين: أولهما، الإصلاحات التي لا تزال السلطة الحاكمة اليوم تناور وتعاند في الذهاب إلى خطوات ملموسة ترسل إشارات إيجابية عن الرغبة في سلوك هذا الدرب. وثانيهما، اعتماد سياسة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة، وهذا عنوان يُطرح اليوم تحت مسمى «الحياد» أو «التحييد» ويتبلور معه أكثر فأكثر الانقسام اللبناني حوله بين معسكرين، يدعو الأول إلى اعتماده نهجاً حيال سياسة المحاور التي تتحكّم بالمنطقة، بما يُخرج لبنان من حال الحصار المفروض عليه ويُعيد امتداده الطبيعي مع محيطة العربي وشبك علاقاته التقليدية مع الغرب، فيما يرى المعسكر الآخر المتأطر في محور إيران أن المطالبة بالحياد هدفها إضعاف لبنان، ويُدرك «حزب الله» أنه المستهدف من هذا الطرح في هذا التوقيت حيث المواجهة على أشدها بين الولايات المتحدة وإيران، والتي يُشكّل لبنان ساحة من ساحات المواجهة لطهران وورقة ثمينة في يدها.

 

فلا الإصلاحات ستشق طريقها بيسر ما دام راعي الحكومة يعتبرها جزءاً من أدوات محاصرته في ظل العقوبات المفروضة عليه، ولا النأي بالنفس أو الحياد سيلقى قبولاً وتأييداً ما دام في مقدور «حزب الله» ضمان بقاء العهد على موقفه المؤيّد لمشروعه الاستراتيجي في المدى المنظور. وبانتظار تطورات كبرى سيبقى رئيس الحكومة يُبحر في عالم آخر.