لم يعد رئيس الحكومة في حاجة الى نقيب الصحافة أو نقيب المحررين ليزوره على رأس فيلق من المهتمين ثم يخرج عارضاً على الملأ أفكار وآراء دولة الرئيس في الأوضاع وما حولها.
فقد جرت العادة منذ أيام المغفور لهما ملحم كرم ومحمد بعلبكي أن يقود كل منهما وفداً من نقابته في زيارات للمقرات الرسمية الرئاسية يعقب كل زيارة منها موجز مطوَّل يتلوه النقيب محاطاً بالوفد الشديد الإنتباه… بعد استئذان وموافقة الملحق الإعلامي في كل مقرّْ. وفي السنوات الماضية استأنف النقيبان الصديقان عوني الكعكي وجوزيف قصّيفي ذلك التقليد آخذين في الإعتبار تغيُّر الظروف والأشخاص والعقليات ووسائل التواصل.
الرئيس حسان دياب يبدو انه يريد وضع حدٍ للأساليب السابقة في مجال التواصل. وها هو يُبْلِغُ المُنشِد علي بركات بمكنونات استراتيجيته التي نأى بنفسه عن إعلانها في تصريحات رسمية ارتدَّ غموضها وبالاً صريحاً عليه. فحتى اللحظة لم يفهم عموم الشعب اللبناني، في العُمق، حقيقة العلاقة بين رئيس الحكومة والسفيرة الأميركية، رغم وضوح لقاء المصارحة بينها وبين وزير الخارجية ناصيف حتي، كما أن الشعب اللبناني لم يُسْعِفهُ الحظ بمن يشرح له مشروع التوجه شرقاً، أو ما تنتظره الحكومة من ايران ودورها في هذا المشروع. إلا أن الإلتباس والغموض اللذين أحاطا بهذه القضايا المصيرية زالا بضربة “بوست” واحدة من بركات الذي أعقبت زيارته لدياب زيارة مماثلة قام بها المطرب زين العمر للسراي، وتكتم على نتائجها.
لم يتكتم المُنشد، وإذا صحَّ ما نُقِلَ عنه، فإن دولة الرئيس أبلغَهُ قائلاً بصورة حرفية لقد “دخلتُ في مواجهة مباشرة مع السفيرة الأميركية، ما اضطرها للتراجع والتخفيف من حدة تهديداتها وعرض مساعدة لبنان خشية من توجهه شرقاً”، وتابع دياب مُصارحاً المُنشد: “انا ماضٍ في التوجه شرقاً خصوصاً نحو العراق في موضوع النفط”، الى أن يختم بقنبلة الموسم مُعلناً: “سأحتفظ بورقة التعاون مع إيران خرطوشة أخيرة لإنقاذ لبنان”!
لم يتضح ما إذا كانت هذه التصريحات ستأخذ طريقها الى التلحين والإنشاد، وهي تستحق ذلك نِسبَةً الى الحسم السياسي الذي تتضمنه، لكن الواضح في المقابل، وبمعزل عن خِفة المسؤول، أن كل ما يُقال ويُشاع عن خطط إنقاذية وتعاون مع المجتمع الدولي ومؤسساته، وعن إنفتاح على دول الخليج والمملكة السعودية كمدخلٍ اليها، ليس سوى إضاعة للوقت، وإلا فليتفضل البروفسور ويصحح للمُنشد ما نشره وما فاتَهُ.
لقد نفى المكتب الإعلامي لدولته ما تناقلته وسائل اعلام بما يخص السفيرة. لم يذكر المنشد ولم يُشِر الى بقية المواقف… وكأنه نفيٌ ينفي نفسه.