ماذا يجري بين باريس والسرايا في هذه الأيام، وما هو واقع العلاقة بينهما بعد موقف رئيس الحكومة حسان دياب الكاسر للمألوف من زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الى لبنان؟
تعرّض دياب، عقب كلامه عن النقص في معلومات لودريان حول إصلاحات الحكومة، الى هجوم سياسي عنيف من جهات داخلية عدة، اتهمته باتّباع الخفة في السلوك الدبلوماسي، وبالاساءة الى علاقات لبنان التاريخية ومصالحه الحيوية مع فرنسا، من دون الأخذ في الحسبان انّ باريس تكاد تكون الصديق الوحيد المتبقّي للبنان في الأسرة الغربية، ومن دون تقدير أهمية مبادرة وزير الخارجية الفرنسي الى زيارة بيروت في هذه الظروف بكل ما ترمز إليه هذه المبادرة من كسرٍ للحصار المفروض على الدولة اللبنانية عموماً والسلطة الحاكمة خصوصاً.
وهناك من اعتبر انه حتى لو كان دياب محقّاً في انطباعاته عن زيارة لودريان، فلم يكن جائزاً ان يعكسها على الملأ بهذه الطريقة العلنية التي تتعارض مع المصالح اللبنانية المباشرة والاعراف الدبلوماسية، لا سيما انّ دياب أوصَل رأيه الى الضيف الفرنسي في الغرفة المغلقة وكان يمكن أن يكتفي بما أسمعه له مباشرة، من غير تعميمه بالضرورة.
والمفارقة انّ الاعتراض على موقف دياب حيال الوزير الفرنسي لم يقتصر هذه المرة على المعارضة بل انّ القصر الجمهوري كان منزعجاً منه أيضاً، فيما تولى أحد كبار مستشاري الرئيس ميشال عون التواصل مع مراجع فرنسية، شارحاً لها أنّ الموقف الرسمي اللبناني من الزيارة إنما يعكسه ما صدر عن رئاسة الجمهورية.
امّا السرايا الحكومية فلم تتبلّغ رسميّاً بأيّ انزعاج فرنسي من كلام دياب، بل تؤكد انّ العلاقة بينه وبين باريس طبيعية، معتبرة انّ «الضجة التي جرى افتعالها في شأن ما أورده دياب حول زيارة لودريان هي من إنتاج المزايدين علينا وعلى الفرنسيين في آن واحد»، ولافتة الى انّ رئيس الحكومة أدلى برأيه بشفافية عندما كان يشرح لمجلس الوزراء حصيلة تلك الزيارة ومجرياتها، «إلّا اذا كان المطلوب منه أن يُجامل او يكذب حتى يكون البعض راضياً».
بالنسبة إلى مصادر السرايا، يعتمد دياب «مبدأ الوضوح في مقاربة الأمور انطلاقاً من اقتناعه بأنّ الصراحة تساعد في معالجة اي ملف، بعيداً من سياسة المجاملات والمسايرات التي تهرب الى الامام وتتهرّب من مواجهة الحقائق، وهي طريقة اعتاد عليها السياسيون اللبنانيون في التعاطي مع الخارج وممثليه».
أكثر من ذلك، ترى مصادر السرايا انّ من شأن المنهجية التي يعتمدها دياب ان تُكسبه احترام الدول «خلافاً لما يروّج له أصحاب المزايدات. وبالتالي، فإنّ شفافيته في مقاربة مهمة لودريان يجب أن تُسجّل له وليس عليه»، مشيرة الى انّ رئيس الحكومة ليس في وارد التفريط بالعلاقة مع فرنسا او اي دولة حريصة على مساعدة لبنان.
ووفق رواية اهل السرايا، لم يحصل أي سوء تفاهم مع وزير الخارجية الفرنسي خلال اجتماعه برئيس الحكومة، «بل ومن حيث الشكل بدايةً، تم استقباله بحفاوة عكستها طبيعة الوفد اللبناني الذي ضَمّ الى جانب دياب 3 وزراء مجتمعين إضافة الى المستشارين، ثم انّ لودريان لم يطلب أساساً عقد خلوة مع دياب وكان يرافقه وفد ضَم 6 أشخاص، فحضر عن الطرف اللبناني عدد مماثل أيضاً».
امّا من حيث المضمون، فإنّ مصادر السرايا تلفت الى انّ «معظم التسريبات حول اجتماع دياب – لودريان تنتمي الى فئة الروايات السينمائية الخيالية»، مؤكدة أنّ «اسم الرئيس سعد الحريري، على سبيل المثال، لم يَرد خلال اللقاء بتاتاً، ولم يأت أيٌ من الحاضرين على ذكره لا تلميحاً ولا تصريحاً خلافاً لِما نسجته بعض المخيّلات التي نسبت الى دياب قوله للوزير الفرنسي انه ليس الحريري ويرفض معاملته على هذا النحو، وانّ الوزير الفرنسي ردّ مُشيداً بتجربة التعاون مع الحريري وسائلاً دياب: من تمثل أنت؟» وتضيف المصادر: هذا الحوار الافتراضي هو من نسج الخيال ولا يمتّ الى الحقيقة بصِلة.
وأبعد من ذلك، تروي مصادر السرايا انّ لودريان توقّف عند «جرأة رئيس الحكومة ورغبته في تحقيق الإصلاحات»، مشددة على أنّ اللقاء كان فرصة ليعرض دياب امام ضيفه ما تحقّق من إصلاحات، سواء تلك التي تتعلق بمؤتمر سيدر او التي تتصل بضرورات لبنانية على مستوى الإدارة.
وكان لافتاً بعد الزوبعة السياسية التي تَلت موقف دياب من زيارة لودريان، استقباله وفداً موسّعاً من السفارة الفرنسية، ما أعطى انطباعاً بأنّ رئيس الحكومة يحاول احتواء مفاعيل تصريحه ومعالجة ذيوله.
لكنّ المطّلعين يؤكدون انّ هذا الاجتماع أتى بالدرجة الأولى في إطار الاتفاق الذي تمّ مع لودريان على استمرار باريس في مواكبة ما تفعله الحكومة، عبر السفارة الفرنسية في بيروت، من دون أن يمنع ذلك دياب من أن يُبادر الى إبلاغ وفد السفارة بأنّ الضجيج الذي أعقب مهمة وزير الخارجية الفرنسي في بيروت يتحمّل مسؤوليته المزايدون «ولا دخل لنا به»، مكرراً حرصه على أفضل العلاقات مع فرنسا.
وعُلم انه جرى في اللقاء استكمال النقاش حول ملف الإصلاح في قطاع الكهرباء، واستوضَح الوفد من دياب عن مسألة تعيين الهيئة الناظمة. كذلك أبلغ دياب الى ممثلي السفارة الفرنسية الموافقة على اقتراح المساعدة المالية التقنية الذي كان قد تقدّم به لودريان خلال زيارته، ويتضمن إرسال وفد من البنك المركزي الفرنسي الى لبنان لتقديم المشورة والمساعدة في هذا الإطار. الّا انّ توقيت إرسال الوفد ينتظر وضع الإطار القانوني المناسب، كما توضح مصادر السرايا.