إنفجر عنبر «الأمونيوم السياسي» بالرئيس حسان دياب وحكومته التي حملت شعار مواجهة التحديات فراحت ضحيتها. ولكن كيف تدحرجت الأمور؟ وما الذي فرض الاستقالة على من كان يرفضها؟
لم تسقط حكومة الرئيس حسان دياب لا تحت وطأة احتجاجات الشارع ولا جرّاء قوة عصف الانفجار في مرفأ بيروت، ولا نتيجة ضغوط بعض القوى والشخصيات التي كانت مصنّفة ضمن خانة 14 آذار، ولا بفِعل مراجعة ذاتية من قبل دياب.
لقد هَوت الحكومة بين ليلة وضحاها، لأنّ الفريق الذي كان يغطّيها ويحميها قرر ان يتخلى عنها لتحسين شروط أي تسوية او مواجهة مقبلة. وبالتالي، فإنّ إجبارها على الرحيل هو بالدرجة الأولى خيار 8 آذار وليس كما افترض البعض ممّن اعتبر انّ استقالتها انتصار سجّلته المعارضة على حساب الموالاة، وفق تأكيد أحد المطّلعين.
ولعلّ دَفع دياب إلى الاستقالة سيسمح لفريق الأكثرية النيابية بأن يستعيد المبادرة، بعدما كاد ان يفقدها تحت ضغط بعض المجموعات في الشارع وموجة الاستقالات النيابية التي حاولت تغليب خيار الانتخابات النيابية المبكرة المرفوضة من الأكثرية على خيار التغيير الحكومي.
وهناك من يفترض انّ التوصيف الأدقّ لِما حصل هو انّ دياب أقدم على «الانتحار السياسي»، وأطلق النار على نفسه بمجرد ان أعلن في خطابه السبت الماضي عن قراره بعرض مشروع قانون لإجراء انتخابات نيابية مبكرة على مجلس الوزراء في جلسته الاثنين، من دون أيّ تنسيق او تشاور مع عرّابي حكومته، الأمر الذي اعتبره كلّاً من الرئيسين ميشال عون ونبيه بري تجاوزاً خطيراً للخط الأحمر وانقلاباً من داخل البيت.
هنا، طفح كيل عون وبري اللذين اقتنعا بأنه أصبح من المستحيل استمرار التعايش مع دياب، خصوصاً انّ منسوب اعتراضهما على سلوكه كان قد ارتفع اخيراً، قبل أن يأتي انفجار المرفأ ليزيد من حراجة وضع الحكومة.
بعد اقتناع رُعاة الحكومة بانتفاء الجدوى منها وبأنها تحوّلت عبئاً عليهم، لا سيما عقب «فاول» الانتخابات المبكرة وكارثة بيروت، سُحب الغطاء عن رئيسها وتوقّف إمداده بمَصل الثقة النيابية والسياسية، وبالتالي لم يعد السؤال «هل ستسقط الحكومة؟» وإنما «كيف ستسقط؟».
لم يتأخر بري في الإجابة، وأصدر «مذكرة جلب» للحكومة الى جلسة استجواب في مجلس النواب، أو بالأصَح «جلسة إعدام» لها. فقرر دياب ان يستبق تنفيذ الحكم المُبرم بالمبادرة الى «القتل الرحيم» لحكومته.
وهناك من يستنتج بأنّ دَفع دياب إلى الاستقالة سمح لفريق الأكثرية النيابية بأن يستعيد المبادرة، بعدما كاد ان يفقدها تحت ضغط بعض المجموعات في الشارع وموجة الاستقالات النيابية التي حاولت تغليب خيار الانتخابات النيابية المبكرة المرفوضة من الأكثرية على خيار التغيير الحكومي.
ويُنقل عن قطب بارز في 8 آذار انّ «دياب غدر بنا، وهو طعن من منحه الثقة والتغطية، علماً اننا لم نترك أمراً الّا وفعلناه حتى نؤمّن الثقة النيابية لحكومته عند تشكيلها، فكان ردّه بمحاولة فرض الانتخابات النيابية المبكرة علينا».
ويلفت الى انّ «دياب أنتج عبر سلوكه أزمة عبثية مع الفرنسيين قبل مدة وكأنّ لبنان ينقصه مزيداً من المشكلات مع المجتمع الدولي، ثم انقلبَ على رعاة حكومته في الداخل عبر الاقتراح المفاجئ للانتخابات النيابية المبكرة التي يعكس طرحها بهذه الطريقة خفة او خبثاً، وفي كلتي الحالتين لم يمكن ممكناً القبول به».
ويشير الى أنّ موقف بري لا يندرج في إطار الانتقام الشخصي من دياب، «لكنه وجد التوقيت مناسباً للتخلص من الحكومة بعدما فقد الأمل من قدرتها على تفعيل إنتاجيتها وباتت سلبيّاتها اكثر من إيجابياتها، وسط ظروف دولية مؤاتية للتغيير الحكومي عكستها زيارة الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون الى لبنان والمواقف التي واكبتها، خصوصاً لناحية إعطاء الأفضلية لخيار الوحدة الوطنية».
أمّا «حزب الله» فلم يكن يمانع على الارجح في أن تستمر حكومة دياب وقتاً إضافياً، الّا انه لم يكن في وارد ان يقاتل للدفاع عنها او عن رئيسها، لا سيما بعد الانعطافة في موقفي رئيسي الجمهورية والمجلس.
أين عون من استقالة دياب؟
يؤكد العارفون أنّ صبر عون على دياب كان قد بدأ بالتناقص أخيراً، وانّ قلبه كان «ملآناً» بالمآخذ والملاحظات على طريقة مقاربته للأمور، بحيث انّ مسألة تغيير الحكومة أصبحت منذ أسابيع بالنسبة إلى رئيس الجمهورية مسألة وقت.
شعر عون، تِبعاً للمطّلعين، بأنّ الحكومة تحترف «الندب»، وتشكو بدل ان تعالج الشكوى، حتى تحوّلت في حد ذاتها مشكلة فيما يُفترض انها أتت لحل المشكلات المتراكمة.
ومن الاعتراضات المتراكمة لدى عون، كما يروي المطلعون، انّ الحكومة كانت تستريح على كتف غيرها، ما اضطرّ رئاسة الجمهورية في كثير من الاحيان الى ملء «المناطق الرمادية» وملاحقة ملفات وتفاصيل تنفيذية تقع على عاتق الحكومة التي باتت الفراغ المقنّع بسبب نمط تصرّفها.
ولاحظ عون أنّ الحكومة عانت من ضعف بالثقة في نفسها وفي الآخرين، وانها كانت تمشي بخطى بطيئة ومتهورة في آن واحد، بدل أن تتحرك بسرعة وفعالية.
امّا لائحة مآخذ بعبدا على نهج الحكومة المستقيلة فشملت، وفق العارفين، جوانب عدة، من بينها:
– التخبّط في التفاوض مع صندوق النقد الدولي، حيث لم يكن الوفد اللبناني موحداً ولا استراتيجية التفاوض سليمة.
– إستغراب تساؤل دياب الشهير: أين القضاء والاجهزة الأمنية؟ فيما السؤال الحقيقي والمُلحّ كان: أين الحكومة؟
– غياب مقاربة واضحة من قبل الحكومة لخيار الحياد الذي طرحه البطريرك الماروني.
– طريقة تعامل دياب مع وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان وما ألحقته من ضرر بالمصالح اللبنانية العليا.
– ضعف إحاطة بعض الوزراء بعدد من الملفات الحيوية، ما دفعَ عون ومستشاريه الى ملاحقتها.