IMLebanon

المؤامرة: التضحية بدياب أم بتقصير ولاية المجلس؟

 

قبل ساعات على دعوته الى تقصير ولاية المجلس النيابي وانتخابات نيابية مبكّرة في خلال شهرين، كان الرئيس حسان دياب «غزالاً بعيون امه». فقد «طلبه العهد من السماء فوجده على الأرض»، كما قيل عند تسميته. كان ذلك قبل ان تتحوّل «التضحية» به اهون مما طرحه. وعليه فهل انّ تهمة «المؤامرة» التي حُكيَ عنها قد طاولته مع من نادى بها من قبله؟ كيف؟ ولماذا؟

لم ينل الاتهام الذي وجّهه رئيس مجلس النواب نبيه بري الى مجموعة من النواب المستقيلين، بإنخراطهم في مؤامرة تهدف الى اسقاط المجلس النيابي، ما يستحقه من الاهتمام والقراءة المتأنية. ولم يغيّر تبنّي الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، بعد ايام عدة، السيناريو عينه من شكل ردّات الفعل ومضمونها، على رغم من حديثه عن «مؤامرة» كانت تهدف الى «اسقاط البلد» بكامله والدفع في اتجاه «الفتنة».

 

وان اقتصرت بعض الردود الرافضة الاتهامات على لسان بعض الشخصيات والنواب المستقيلين، فإنّ مجرد ربط خطوتهم بالإستقالة، في اعتبارها ردّ فعل طبيعياً تجاه «انفجار المرفأ» وما تركه من مظاهر «النكبة» التي حلّت بفئة واسعة من اللبنانيين، كان كافياً لإسقاط هذه التهمة. واعتبرت انّها مجرد موقف سياسي لا يُقنع أحداً، ولا يُسقط المسؤوليات الجسام الملقاة على عاتق الدولة بمختلف سلطاتها التنفيذية والتشريعية والامنية والقضائية. وأنّه كان لا بدّ من رفع السقف لتغطية القرار المفاجئ الذي اتُخذ للتضحية بـ «حكومة اللون الواحد»، في اعتبار رئيسها حسان دياب هو الأضعف بين «ترويكا» الحكم.

 

وفي اعتقاد عدد من المراقبين، انّه لم يكن في قدرة السلطة الذهاب ابعد من ذلك، لاستيعاب ردّات الفعل الشعبية تجاه هول ما حلّ بالعاصمة وسكانها الآمنين، نتيجة ما ظهر في الساعات الاولى التي تلت الانفجار، من تقصير واهمال في آلية التعاطي، مع ما تركته الكارثة من شهداء وجرحى وخراب ودمار لا يوصف. فقد كان واضحاً انّ ما تلا الانفجار من فشل في التعاطي مع نتائجه قد فاض عمّا سبقه من خلال الاستخفاف بمخاطر ما يحويه «العنبر الرقم 12» من مواد خطيرة وضبت في اسوأ الظروف. وقد ساهم الضخ الاعلامي الفوري حول هذه المواد الخطيرة وطريقة التعاطي الرسمي على المستويات الإدارية والامنية والقضائية معها، طوال السنوات الست التي مضت على تخزينها في ذلك العنبر، في تكبير حجم الجريمة. وهو ما جعل السلطة بمختلف قواها ومواقعها في أسوأ موقف، ولم تتمكن من تقديم اي تبرير لما حصل. لا بل فقد سارع اقطابها الى تبادل الاتهامات التي فضحت الممارسات الخطيرة التي ادّت الى الكارثة.

 

وما زاد في الطين بلة، انّ هذه الكارثة جاءت في توقيتها لتزيد من حال الشلل التي اصابت اهل الحكم والحكومة. فقد اعتبروا انفسهم، بمختلف مواقعهم، في مركب واحد، الى درجة لم يعد يفهم اللبنانيون من هو المسؤول عمّا حصل، أهي السلطة التنفيذية ام التشريعية أم الامنية ام القضائية، عندما اختلط حابل المواقف بنابلها، وتجاوز الجميع حدّ السلطة والصلاحيات؟

 

على هذه الخلفيات، سعى المراقبون، عندما توغلوا في قراءة السيناريو الذي قُدّم بوجود مؤامرة تهدف الى اسقاط رئيس الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة معاً، الى البحث عنها، فلم يجدوا في ما حصل ما يثبت وجود مؤامرة، ولم تُفهم سوى من باب سعي السلطة الى تكبير حجم «الإنجاز» الذي حققته بالحؤول دون استقالة نواب تيار»المستقبل» و»الحزب التقدمي الاشتراكي» و»القوات اللبنانية»، ومعهم عدد من النواب المستقلين، والتي كانت ستقود تلقائياً الى فرض الآلية الدستورية المؤدية الى تقصير ولاية المجلس والدعوة الى انتخابات نيابية مبكّرة.

 

وفي اعتقاد العارفين بكثير مما كان متداولاً من معلومات، انّ تباهي السلطة بما انجزته في حديثها عن هذه «المؤامرة الكونية» لا يكتمل فصولاً سوى بوضعها في إطار وجود مخطط خطير قد تمّ احباطه وتعطيله بقدرة قادر. وذلك جرياً على ما تقول به المعادلة ـ القاعدة، «ان اردت ان تكبّر انتصارك، فما عليك سوى تكبير قدرات عدوك». فمثل هذا «الإنتصار- الإنجاز» كان يجب ان يكون مرفقاً بتحديد هوية «الجهات والقوى الكبرى» التي خطّطت وحرّضت على هذا «الإنقلاب ـ المؤامرة» الذي تمّ احباطه.

 

وفي مقابل هذه القراءة المبسّطة، تجدر الإشارة الى ان ليس في حسابات من تقدّموا باستقالاتهم من المجلس النيابي كل هذه الدوافع والمعطيات المرتبطة بسيناريوهات المؤامرة. والى استخفافهم بالإتهام الذي وُجّه اليهم في مثل الظروف العصيبة التي تعيشها البلاد منذ اشهر عدة، كان لا بدّ من تذكير اصحابه انّه قد سبق لهم ان نادوا بتقصير ولاية المجلس قبل «انفجار المرفأ» وقبل استقالة الحكومة. ولا يجب ان ينسى احد، انّ كتلة نواب حزب «الكتائب» سبق لها ان تقدّمت باقتراح قانون امام مجلس النواب من اجل تقصير ولايته، ولم يؤيّدها سوى بعض النواب المستقلّين. وقد تلت هذه الخطوة المشاورات التي جرت بين نواب «القوات» و»الإشتراكي» و»المستقبل»، لتقديم استقالة جماعية تؤدي الى تعطيل المجلس، دفعاً في اتجاه فقدان الميثاقية السنّية والدرزية والتي انتهت بالفشل. ورُدَّ السبب الى رفض الحريري وجنبلاط الفكرة، في الأيام الاخيرة التي تزامنت والحديث عن استقالة الحكومة واحتمال عودة الاول الى السرايا الحكومية، والثاني الى الجنة الحكومية، فضاعت كل الجهود التي بُذلت في هذا الإتجاه وبقيت «القوات اللبنانية» وحيدة.

 

وبناءً على ما تقدّم، لم يوفّق احد في ان يثبت وجود مثل هذه «المؤامرة» على السلطة واركانها. وانّ منطق الامور يقول، انّ كل ما حصل كان مجرد سيناريوهات مرحلية، لا سند لها، رغم انّها مبررة لإمرار المرحلة وتجنّب الاشتباك الذي كان على قاب قوسين او ادنى بين ابناء «البيت الواحد»، وتحديداً بين الحكومة والمجلس النيابي، والذي تُرجم في السباق الى من يسقط أولاً. وعليه، فقد تُرجمت «المؤامرة» عندما أُسقِطَت الحكومة بـ «الضربة القاضية» بسلاح الاصدقاء والحلفاء، بعدما «تجاوز» رئيسها «الخطوط الحمر» بتورطه في «مؤامرة» تقصير الولاية النيابية وإجراء الإنتخابات المبكّرة، من دون ان يسقط احتمال سقوط المجلس لاحقاً. فهو ما زال صامداً، ما لم تتبدّل عقلية التفرّد بالسلطة ووقف انجراف البلاد الى مزيد من الانهيارات. فكل السيناريوهات المطروحة سلبية ومن لديه سيناريو ايجابي واحد يوحي بتجاوز هذه المحنة فليعرضه في اسرع وقت!.