أربعة أشهر على حكومة تصريف الاعمال والحبل على الجرار. لا مؤشرات على تشكيل حكومة جديدة عما قريب والارجح انها رحلت الى حين استلام الادارة الاميركية الجديدة مهامها، بينما تتوالى الدعوات الى الحكومة المستقيلة لتصريف الاعمال وقيام الوزارات بواجباتها.
عند استقالته في العاشر من آب الماضي أصدر رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب مذكرة تلزم الوزراء بتسيير الامور الضرورية في وزاراتهم. بات الرجل في ضيق بعد الهجوم الذي تعرض له ودفعه الى الاستقالة على خلفية تحميله مسؤولية تدهور الاوضاع لا سيما بعد كارثة انفجار المرفأ. كأن الآية انقلبت. بينما يريد حسان دياب مغادرة السراي الحكومي اليوم قبل الغد ويعد لحظات اقامته داخلها بالدقائق والثواني، يتلقى الدعوة تلو الدعوة لعقد جلسة للحكومة للبت في العديد من الملفات الملحة والتي لم تعد تحتمل التعطيل.
لافتة كانت تغريدة رئيس “الحزب الاشتراكي” وليد جنبلاط والتي تقول: “أياً كانت الخلافات السياسية فان حكومة حسان دياب هي حكومة تصريف اعمال، ولا يحق لها دستورياً ان تعتكف عن العمل الى ان تشكل الحكومة الجديدة”. وتابع: “مر لبنان ايام الحرب بظاهرة حكومتين لكن تسيير المرفق العام قضى باختراع المراسيم الجوالة، اليوم اتخاذ القرارات كالموازنة وغيرها اكثر من ضروري”. في الشق السياسي يمكن الاستنتاج من كلام جنبلاط ان تشكيل الحكومة صار بعلم الغيب ما دفعه للعودة الى الحكومة المستقيلة ودفعها باتجاه تسيير الامور العالقة، لا سيما في ظل الظروف التي تشهدها البلاد وحاجتها الى قرارات مصيرية، فضلاً عن محاولته الغمز من قناة الحريري، مذكراً بالمراسيم الجوالة التي سبق واعتمدت ولو لم يكن قصده اللجوء الى مثل هذه الصيغة اليوم لاختلاف الظروف، وهو ما يؤكده الرئيس حسين الحسيني ويقول: “صيغة المراسيم الجوالة ليست دستورية واذا سبق واعتمدت سابقاً فالاسباب تتعلق بالحرب وتعذر التنقل. كان مجلس الوزراء منقسماً يومها والظروف كانت مغايرة ما ينفي امكانية تطبيق مثل هذه الصيغة اليوم”.
ويرجّح الحسيني ان “ما قصده جنبلاط يصب في خانة دعوة حكومة تصريف الاعمال الى عقد جلسة ينص عليها الدستور، الذي يمنح رئيسها دعوة حكومته الى الانعقاد لتسيير الامور الطارئة وتلك التي لا تحتمل التأجيل والمحددة بمهل زمنية”. ويقول: “يحق لحكومة تصريف الاعمال ان تنعقد لان تصريف الاعمال ليس بحجم العمل بل بأهميته وضرورته، واذا كان لهذا العمل أجلٌ محدد فيجب عدم تأجيله كالموازنة مثلاً، او اي قرارات مالية يعرّض عدم البت بها البلد لمخاطر معينة”، ويحيلنا الحسيني الى سابقة حصلت العام 1969 يوم عقد الرئيس رشيد كرامي جلسة لحكومته لاقرار الموازنة. ويعيد الحسيني التشديد على ضرورة ان تعقد حكومة تصريف الاعمال جلساتها لاقرار وبتّ الامور التي لا يمكن تأجيلها، مع احتفاظه باعتبار ان الجالسين في المباني الشرعية لا يشكلون الشرعية، ويتخوف الحسيني من ان تكون خلفية الحاح المسؤولين على الحكومة لتصريف الاعمال متصلة بتصريف الاعمال التي يريدون، بينما القاعدة الدستورية ثابتة ومحددة بأن للحكومة حق الانعقاد ويجب ان تنعقد طالما لم يتم تشكيل الحكومة الجديدة بعد”. ومثل هذا المبدأ يبقى سارياً، وفق الحسيني “طالما ان الحكومة لم تتشكل بعد”.
ويتوافق الخبير الدستوري الوزير السابق زياد بارود مع الحسيني، متحدثاً عن نوعين من المراسيم: “العادية والتي تستلزم توقيع رئيسي الجمهورية والحكومة والوزير المختص، وتلك التي يتخذ قرارات بشأنها في مجلس الوزراء خلال جلسة للحكومة يتوافر فيها النصاب”. ويؤكد على “امكانية انعقاد حكومة تصريف الاعمال شرط حصر بحث الملفات التي تريد البت بها في جلسة واحدة، وليس ان تعتبر الحكومة نفسها في حالة انعقاد عادية، مستشهداً بحالات مماثلة حصلت بعد الطائف، الاولى عام 2009 يوم اجتمعت حكومة فؤاد السنيورة لاقرار امر طارئ، والثانية عام 2013 يوم اجتمعت حكومة نجيب ميقاتي استثنائياً لتشكيل هيئة الاشراف على الانتخابات”. ويربط بارود عقد الجلسة “بوجود حالات طارئة ولا تحتمل التأجيل، ولا يرتب الأمر اعباء مالية على الدولة، ولا ترتب التزامات على الحكومة التي تعقبها”.
واذا كان الدستور يمنح الحق لدياب بجمع حكومته مجدداً فان امكانية مثل هذه تبدو متعذرة بالنظر الى اسباب عدة، منها ذاك الشرخ الذي اصاب الحكومة وشتت وزراءها وباعد في ما بين عدد منهم وبين رئيس الحكومة، فضلاً عما يصر عليه دياب ذاته والذي ينقل عارفوه عنه عدم رغبته بعقد مثل هذه الجلسة من قريب او بعيد، رغم النصائح التي تنهال عليه وتمنحه الحق لحكومته بالاجتماع على قاعدة ضرب عصفورين بحجر واحد، تسيير الامور الملحة العالقة، والدفع باتجاه تسريع تشكيل الحكومة الجديدة. لكن دياب المستقيل على زعل لم يستطع بعد استيعاب ما مني به نتيجة حصار الجميع لحكومته، ولا يضع في ذهنه عقد اي جلسة لحكومته محملاً المسؤولين نتيجة ما اقترفوه.