إستنفر رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب كل الوزراء المعنيين بالدعم، ومعهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي اتسمت علاقته برئيس الحكومة بكثير من التوتر والسلبية، إلى درجة وقوف دياب على منبر مجلس الوزراء في نيسان الماضي واعتباره أنّ “هناك غموضاً مريباً في أداء سلامة، فهو إما عاجز أو معطل، أو محرض على التدهور الدراماتيكي في سعر صرف الليرة”، وقد أعلن يومها عن قرار بتكليف شركة دولية حيادية للتدقيق الحسابي في مصرف لبنان.
إجتماعات ماراتونية شهدها السراي الحكومي يومي الاثنين والثلثاء، وكلها تهدف إلى ترشيد الدعم بعد انذار مصرف لبنان بأنّ احتياطيه من الدولار، يقارب قعره الخطير، ما يعني أنّ الانفجار الاجتماعي بات وشيكاً اذا ما تهدد رغيف الخبز والدواء والبنزين والمازوت وغيرها من المواد الأساسية. لكنها بالنتيجة، لن تفضي إلى أي قرارات قد يتخذها دياب أو أي من وزراء حكومته المستقيلة.
من الواضح جداً أنّ دياب الذي رفض تمنيات حلفائه وضغوطهم أحياناً لإعادة تعويم حكومته بعد استقالتها، تحت وطأة تهديد رئيس مجلس النواب نبيه بري بإخضاعها للاستجواب امام النواب على أثر انفجار الرابع من آب الماضي، لا يزال عند موقفه من مسألة تفعيل الحكومة. صحيح أنّه استدعى كل الوزراء المعنيين برفع الدعم ودفعهم إلى وضع لوائح تحدد ما هو الأساسي من السلع المدعومة وما يمكن الاستغناء عنه، في محاولة لترشيد تدخل مصرف لبنان بالعملة الصعبة، لكن هذا لا يعني أنّه سيحوّل حكومته إلى “كيس رمل” يحمي الطبقة السياسية.
أكثر من ذلك، يشعر الرجل بأنّ كامل الطبقة السياسية تتعاطى بكثير من الاستخفاف مع استحقاق التأليف، كي لا تواجه زلزال رفع الدعم الذي سيحلّ عاجلاً أم آجلاً… وتترك كرة النار بيدي حكومة مستقيلة لن تجد من يحميها أو يمدّ لها يد المساعدة. ولهذا يرفض حسّان دياب تحمّل المسؤولية عن غيره، كما يقول في مجالسه. لا يتردد في القول إنّه من غير المقبول بعدما سحبت الثقة من حكومته أن يطلب منها تغطية الطبقة السياسية. على هذا الأساس، يؤكد المطلعون على موقفه أنّ خلاصة هذه الاجتماعات والتي ستترجم عبر أوراق مكتوبة ستكون جاهزة خلال الأيام القليلة المقبلة، لن تتولى ترجمتها الحكومة أو أي من الوزراء، لا بل ستكون بمثابة اقتراحات تقرر مصيرها، إما الحكومة الجديدة، وإما اللجان النيابية المشتركة التي قررت وضع يدها على ملف الدعم، وإما مصرف لبنان ليختار منها ما يريد دعمه.
أما الحكومة المستقيلة، وفق المطلعين على موقف دياب، فلن تقوم بأي خطوة ولن تتخذ أي قرار بهذا الشأن، وستترك مصرف لبنان يتحمّل المسؤولية وله حرية التصرف بما يراه مناسباً. خلال الاجتماعات، كان رياض سلامة مستمعاً أكثر من متحدث. إكتفى بالاستماع إلى اقتراحات الوزراء مسجلاً بعض الملاحظات. ولكنه بالنتيجة، لم يفصح عن المبالغ المتبقية لديه ولا كيفية صرفها. جلّ ما سيفعله دياب، هو وضع خط أحمر حول القمح والأدوية الأساسية وبعض السلع الغذائية (هبطت قيمة السلة الاستهلاكية حوالى 50% بعد الترشيد)، واستكمال العمل لاستبدال الدعم ببطاقة تمويلية، وليس تموينية، تسد بعض حاجات الطبقات الفقيرة… ومتابعة المفاوضات مع الجانب العراقي لتأمين المشتقات النفطية. وفق المطلعين فإنّ نتائج تلك المفاوضات تأجلت حوالى أسبوع بانتظار بعض الترتيبات المرتبطة بالجانب العراقي، لكن هؤلاء ينفون وجود أي عقبة سياسية من شأنها أن تعوق هذا التفاهم، الذي اذا حصل، سيخفف الفاتورة النفطية بشكل كبير.
في هذه الأثناء، لم تتلق وزارة المال بعد ردّ شركة “ألفاريز ومارسال” على الكتاب الذي تلقته الأسبوع الماضي والذي يسألها ما اذا كانت ترغب في استكمال مهمتها في لبنان بعد قرار مجلس النواب. ويفترض أن يعطي وزير المال غازي وزني الشركة المذكورة بعض الوقت قبل أن يقرر طبيعة الخطوة المقبلة.
نظرياً، اذا ما بقيت مشاورات التأليف عالقة في عنق الخلافات، وهو المرجح، فقد يعمد وزير المال الى معاودة المفاوضات مع شركة جديدة. فعلياً، تدرك القوى السياسية التي صفقت لقرار مجلس النواب، أنّ الأخير ليس أكثر من فخّ نُصب للتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان. فالتدقيق في حسابات الإدارات العامة والمؤسسات والمصالح يحتاج الى سنوات لانجازه، فيما الفجوة المالية التي تشكلها حسابات المصارف الخاصة لا تزال محمية بالسرية المصرفية. فعن أي تدقيق يتحدثون؟