IMLebanon

مواجهة القرن مَن يصرخ أولاً؟

 

وسط أخطر عاصفة اشتباك دولي – إقليمي في الشرق الأوسط، حيث هنا تندلع الحرب، وحيث هنا تنتهي الحرب، وحيث هنا، من أجل الشرق، ونفطه وغازه وأسواقه ومياهه، وطاقته الشمسية وثرواته ومعادنه، تندلع الحرب.

 

وسط أخطر عاصفة اشتباك أميركي- إيراني، تهدّد بإعادة بناء الحقائق المعقدة في هذه المنطقة المضطربة من العالم، يلهث لبنان، البلد الصغير، الذي فيه تختصر أزمات الإقليم، من التوتر بين واشنطن وطهران، وترسم خرائط حدود الطوائف، وجغرافيا الامبراطوريات القديمة المتهالكة، والساعية إلى إعادة انبعاث، على أرض الأقطار العربية، في المشرق والمغرب، من حدود سوريا الكبرى، إلى بلاد المغرب العربي وشمال افريقيا، امتداداً إلى القرن الافريقي.. يلهث البلد الصغير لإعادة التقاط أنفاسه، بعد عقدين أو أكثر من بناء مؤسسات الدولة واقتصادها، واستعادة دورة الحياة، بعيداً عن أهوال الحرب، وآثارها المدمرة لكل شيء..

 

تتحدد أزمة البلد الراهنة، بأنها أزمة اقتصادية، نقدية، من العيار الأوّل: قلة في السيولة إلى درجة الندرة، بما في ذلك النقد بالليرة اللبنانية التي خسرت ما يعادل ثلث قوتها، تحت ضربات الدولار، الذي يواجه بدوره، شحّاً، يرجح ان يكون مفتعلاً هو الآخر، على الرغم من ان الخبراء المعنيين، يعتقدون ان ثمة حقيقة صحيحة تتعلق بنقصان هائل في الدولارات، لاعتبارات الحصار في التمويل، والتهريب إلى الخارج، وعدم الثقة بالمصارف، وحرص مصرف لبنان على الاحتفاظ باحتياطٍ يسمح له بمواجه أزمات إضافية، فضلاً عن «مسك يد» الدولة، من أجل الوفاء بالتزامات اليوروبوندز والسندات المديونية، والتي بعضها يستحق في الأسبوع الأوّل من آذار المقبل.

 

وتتحدد أزمة البلد بأنها سياسية، تتعلق بطبيعة السلطة التي يتعين ان تحكم، وتتخذ القرارات، بعد نجاح جبران باسيل (وهو رئيس تيّار سياسي وكتلة نيابية ويقود فريق وزاري طيّع، يتحكم بمفاصل الوزارات الحسّاسة بالبلد)، بإعادة إنتاج سياسة، أقصت زعيم 14 آذار، والأكثرية السابقة، وزعيم السنَّة، التي يعبّر عنها تيّار «المستقبل»، عن مركز القرار، حتى قبل ان يعلن الرئيس سعد الحريري استقالة حكومته تحت تأثير أحداث 17 اكتوبر/تشرين أوّل الماضي.

 

من زوايا عدّة، ووفقاً للوقائع الجديدة – القديمة، فإن لبنان، الغارق إلى «أخمص قدميه» بالأزمات هو واقع، حكماً، تحت تأثيرات المواجهة المتصاعدة بين الولايات المتحدة، ومعها دول التحالف، إضافة إلى الحليف الاستراتيجي إسرائيل ودول المحور، التي تقف على رأسها إيران، ومعها سوريا، والعراق، وصنعاء، وفصائل مسلحة، كحزب الله و«حماس» و«الجهاد الاسلامي» وسائر حركات المقاومة التي تواجه الاحتلال الإسرائيلي، أو القوة العسكرية الأميركية المنتشرة في كل النقاط الحيوية في الشرق الأوسط..

 

إذا وقعت الحرب، فمن المؤكد ان لبنان بجنوبه وبقاعه وضاحيته، وكل محافظاته لن يسلم منها، فضلاً عن انصراف ما كان يعتقد انه «دول صديقة»، تمثلت بمؤتمر باريس، وبمؤتمرات روما وبروكسيل، وكانت تهدف لمساعدة هذا البلد على احتياز المساعدات النقدية، لإنهاض اقتصاده، والتغلب على أزمة السيولة، التي تُهدّد القطاع المصرفي، واستيراد السلع الضرورية للحؤول دون الوقوع في مطبات انعدام الاستشفاء، والغذاء، وما شاكل..

 

ومن زاوية استباق التطورات، ينشط العقل البراغماتي، المركتيلي، اللبناني، لتوليد حكومة، قد يُطلق عليها، في وقت ما «حكومة الضرورة»، إذ عندها تجري المقارنة بين اللاحكومة والحكومة أيا كانت، ليكون لبنان حاضراً على الطاولة، بعدما ابتعدت، أو نأت حكومة تصريف الأعمال عن دورها في تصريف الأعمال، وتسيير أمور الدولة، إذ إن المواطن العادي، وغير العادي، بات يشعر أنه يعيش في بلد، لا شيء فيه من صورة الدولة أو شكلها..

 

والسؤال كيف يجري العمل لتأليف «حكومة الضرورة» هذه، ما لم يدفع الوزير باسيل رئيسها المكلف، بترك «كرة النار».. والاعتذار.. نام اللبنانيون، في عطلة نهاية الأسبوع على كلام رئيس الجمهورية ان الحكومة سترى النور في مطلع الأسبوع المقبل، أي هذا الأسبوع.

 

وانبرت حينها وسائل الإعلام، تؤكد ان مسار التشكيل حافظ على ايجابياته.. وان العدد حُسم، مع العلم ان الرئيس نبيه برّي اقترح ان يتوسع إلى العشرين وزيراً، ليتسنى تمثيل الدروز بوزيرين، وليس بوزير واحد، على الرغم من أن الاتجاه رسا على إعطاء الوزير الدرزي الوحيد حقيبتين، بدل حقيبة واحدة، من دون ان يتم تجاوز الاعتراض الجنبلاطي – الارسلاني على هذا التمثيل، الذي يعتبر مصدر درزي مطلع أنه لا يحلّ مشكلة طائفة، تعتبر نفسها مؤسسة للكيان اللبناني.

 

في الخلفية، ان المسألة اقتربت من النهاية، لكن الوقائع تكشف عن:

 

1 – اعتراض كاثوليكي على تمثيل طائفة الروم الملكيين، سواء بالإمرأة المقترحة أو الحقيبة، من زاوية ان المجلس الأعلى لطائفة الكاثوليك، لا يقبل ان يتفرد باسيل بتعيين كل المسيحيين.

 

2 – عدم قبول درزي بأن يتولى الوزير الوحيد المقترح حقيبتي البيئة والشؤون الاجتماعية، بعدما كان الوزيران في الحكومة المستقيلة يتوليان حقيبة التربية والتعليم العالي والصناعة..

 

3 – اعتراض الحراك بقوة، على بعض الأسماء الاغترابية المقترحة، من قِبل رئيس التيار الوطني الحر لتولي حقائب حيوية، كانت من حصة التيار الوطني في حكومة تصريف الأعمال (كالطاقة مثلاً).

 

4 – فضلاً عن الخلاف بين الرئيس المكلف والوزير باسيل على من يتولى حقيبة الخارجية، (السفير السابق ناصيف حتي أو الوزير السابق دميانوس قطار).

 

5 – إلى ذلك، لم يحسم بعد الجدل، حول الحصة السنيَّة، لجهة اسم العميد المتقاعد طلال اللادقي لوزارة الداخلية، فضلاً عن اسم الدكتور طارق المجذوب لاحدى الحقائب التي كانت من حصة السنَّة في حكومة الرئيس سعد الحريري المستقيلة..

 

6 – ويمكن ان يضاف إلى كل ذلك، المطالبة الأرمنية بوزارة، السياحة، بدل الإعلام أو الثقافة.

 

على انه أبعد من هذه الوقائع اليومية، المكلفة بالحكومة، وحجم الاعتراض السنّي على ان يكون الدكتور حسان دياب رئيساً للحكومة، من زاوية قوة التمثيل، وحجم اعتراض الحراك على بعض الأسماء المقترحة، وعدم حسم أسماء الشيعة في الحكومة، يبقى وضع «حزب الله» داخل الحكومة، لجهة طبيعتها وتوازناتها، وكيفية اتخاذ القرار، في ظل تحولات بالغة الخطورة في الاشتباك الأميركي – الإيراني، وذهاب الحرب النفسية بين الطرفين إلى تحديد المواقع أو «بنك الأهداف» الموضوع على خارطة القصف الصاروخي بما في ذلك مواقع مدنية في إيران، ومواقع حيوية للأميركيين في الشرق الأوسط والقرن الافريقي.

 

تتحدث أوساط المحور الإيراني عن حتمية الردّ، وتتجه الأنظار إلى حدث كبير في العراق، مع الأخذ بعين الاعتبار ان سفارة الولايات المتحدة في المنطقة الخضراء من بغداد، تحوّلت إلى حصّن حصين، فضلاً عن تعزيزات أميركية حول السفارات الأميركية في عدد من العواصم، بينها بيروت.

 

الثابت، ان قواعد اللعبة، أو قواعد الاشتباك تغيرت بين البيت الأبيض والـC.I.A والبنتاغون من جهة، وإيران، الجمهورية الإسلامية، الحرس الثوري، والجيش الإيراني، والمرشد الأعلى. فعندما تُقدم واشنطن على اغتيال قائد الجيش العقائدي للجمهورية (أو ما يسمى بالحرس الثوري) هذا يعني ضربة قاصمة، للبرنامج الامبراطوري، لدولة إقليمية كبرى كإيران، تسعى إلى إخراج الولايات المتحدة، الدولة الكبرى الأولى في العالم من الشرق الأوسط، أو من العراق، أو من نقاط النزاع على الأرض العربية، وصولاً إلى أفغانستان..

 

إنها المواجهة الصاروخية النووية الكبرى: فمن يصرخ أولاً؟!