الادعاء على دياب لتطويعه واضعاف رئاسة الحكومة لابتزاز الحريري بتشكيل الحكومة
لا يمكن فصل موضوع الادعاء على رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب في ملف تفجير مرفأ بيروت الكارثي، عن مجمل الصراع السياسي الدائر في عميلة تشكيل الحكومة الجديدة والمحاولات الحثيثة لـ«العصبة الرئاسية» للالتفاف على اتفاق الطائف، بالصلاحات حيناً وبالتفسيرات الملتوية للدستور حيناً آخر، بالتزامن مع الحملة الموحى بها من هذه العصبة للاقتصاص والتشفي من الخصوم السياسيين للعهد وكبار الموظفين السابقين، عسكريين ومدنيين من خلال سلسلة الاخبارات والدعاوى المقامة ضدهم لدى القضاة الموالين المعروفين، مهما حاول البعض الإنكار أو الاختباء وراء شعارات كشف ملابسات التفجير أو إثارة مشاعر أهالي الضحايا والمتضررين الكثر واستغلال هذه المأساة بالسياسة وتحقيق العدالة وغيرها من الشعارات والعناوين الجذابة، لأن كل هذه الوقائع والأحداث مترابطة مع بعضها البعض كما ظهر ذلك بوضوح لاحقاً ولم يعد ممكناً تغطية ما يحصل بعبارات ممجوجة وشعارات جوفاء، بعدما تكشف أكثر من هدف في حسابات هذه العصبة، تسعى لتحقيقها جرّاء ما يحصل، أوّلها، الاضعاف الممنهج لموقع رئاسة الحكومة من خلال ممارسة أقسى الضغوط النفسية والمعنوية علي رئيس الحكومة المستقيلة من خلال هذا الادعاء، لتطويعه لكي لا يخرج عن توجهات العهد وسياساته في تحويل الحكومة المستقيلة، إلى حكومة تمارس صلاحياتها بالكامل خلافاً للدستور، تهرباً من مسؤولية تشكيل حكومة جديدة يريدها اللبنانيون ويلحُّ عليها المجتمع الدولي، ليبقى رئيس الجمهورية الحالي الحاكم بامره، يدير البلاد بمفرده دون حسيب أو رقيب او شريك كما ظهر بوضوح من خلال الاجتماع الأخير للمجلس الأعلى للدفاع والقرارات التي اتخذت فيه خارج صلاحياته والمغايرة للنصوص الدستورية، وما اثارته من ردود فعل سلبية واعتراضات من أطراف سياسية عديدة، ترفض هذه السلوكية غير الدستورية، في حين رفض دياب الدعوات الرئاسية المتكررة لعقد اجتماعات للحكومة تحت شعار اعادة تعويم الحكومة لتسيير الأعمال.
اما الهدف الثاني، وهو الأساس، محاولة «العصبة الرئاسية» استغلال اضعاف موقع رئاسة الحكومة بعد ان يأخذ الادعاء على دياب طريقه القضائي حتى النهاية، لابتزاز رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري في المبارزة الحامية لتشكيل الحكومة الجديدة، واخضاعه لتقديم التنازلات والقبول بالمطالب والشروط التعجيزية لهذه العصبة، ان كان في الحصص أو الحقائب الوزارية، ومن خلال ذلك يتم تكريس واقع تجاوز الأسس الدستورية لاتفاق الطائف.
هل تطابقت حسابات «العصبة الرئاسية» بالادعاء على دياب في ملف تفجير المرفأ، مع النتائج المتوخاة منه؟
لم يعد ممكناً تغطية ما يحصل بشعارات جوفاء بعد أن تكشف أكثر من هدف في حسابات العصبة
أظهرت ردود الفعل السياسية على قرار الادعاء على رئيس الحكومة حسان دياب نتائج سياسية معاكسة تماماً لحسابات الداعمين لهذه الخطوة، وبدلاً من استفراده واضعافه تمهيداً لوضعه امام الأمر الواقع ليبقى على تماهٍ مع العهد وملبياً لممارساته في تعويم الحكومة وتجاوز الدستور وإدارة الظهر لتأليف حكومة جديدة، انتفضت القيادات الإسلامية السنية على اختلافها على هذا الادعاء الذي يتجاوز النصوص الدستورية في التعاطي مع رئيس الحكومة، أي رئيس حكومة كان، ورفضت رفضاً قاطعاً هذا التصرف الذي لا يليق، لا برئيس الحكومة ولا برئاسة الحكومة، في حين ظهر واضحاً التمييز في مساءلة واستجواب مسؤولين كبار وقيادات أمنية وغيرهم وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية الذي صرّح علناً امام وسائل الإعلام انه تبلغ رسمياً بوجود هذه المواد الخطرة بمرفأ بيروت ولكن لا صلاحيات لديه للتدخل، الأمر الذي يطرح جملة تساؤلات واستفسارات عن أسباب عدم التحقيق مع هؤلاء المسؤولين وتوجيه الادعادات لدياب وعدد من الوزراء من لون سياسي معين.
التضامن مع رئيس الحكومة المستقيلة والرفض القاطع لاستهداف موقع رئاسة الحكومة، فاجأ «العصبة الرئاسية» التي حاولت التنصل من هذا الاستهداف، والرفض الجامع لاستفراد دياب قلب الوقائع والحسابات رأساً على عقب.
الادعاء على رئيس الحكومة يكون استناداً للنصوص الدستورية وليس كما يحصل حالياً بتجاوزها، بينما الأهم فيما حصل بالسياسة هو اتساع الهوة بين رئيس الجمهورية ومجمل القيادات السياسية والدينية السنية لأن ما حصل لا يمكن الاستهانة به أو تجاوزه بهذه السهولة، بينما محاولات ابتزاز رئيس الحكومة المكلف في مشاورات تأليف الحكومة الجديدة، انطلاقاً من خطوة الادعاء على رئيس الحكومة المستقيلة، ضعفت وفقدت كل مقوماتها، وعلى عكس ذلك تماماً، ما حصل أدى إلى إعطاء دفع اقوى للحريري، لا سيما بعد مبادرته زيارة السراي الكبير وتأكيد تضامنه مع دياب في هذه الواقعة، للتفاوض مع موقع اقوى لتشكيل الحكومة الجديدة وفي مواجهة العقبات والعراقيل المفتعلة من هذه «العصبة الرئاسية»، لأنه لم يعد بالإمكان بعد ذلك حصل المساومة على إعادة تعويم الحكومة المستقيلة من جهة، أو التهويل بتكليف شخصية سنية اخرى بتأليف الحكومة بدلاً من الحريري من جهة ثانية.