Site icon IMLebanon

الإعتكاف غير دستوري ومورس قبل الطائف وبعده

 

منذ أيّام، لوّح رئيس حكومة تصريف الأعمال حسّان دياب باللجوء إلى الإعتكاف، بعدما بلغ وضع البلاد حافة الإنفجار بعد الإنهيار والخوف من عدم إمكانية الحماية من الأخطار، وتفاقم الأزمة الإجتماعية الخطيرة بحال لم تتشكّل حكومة جديدة مدعومة سياسياً.

 

وقد طرح هذا الموقف أسئلة كثيرة حول تداعيات خطوة كهذه في حال الإقدام عليها، وما إذا كانت تنسجم مع واقع حال البلاد والعباد، وهل هي دستورية أم لا؟

 

وبالرغم من إقرار رئيس الحكومة بأنّ خياراً كهذا هو خطوة تخالف قناعاته، وأن اللجوء إليها هو للضغط نحو تشكيل الحكومة، وأن حكومته تقوم بتصريف الأعمال وِفق ما يسمح به الدستور، فإنّ غالبية خبراء القانون والدستور يؤكّدون بأنّ لا وجود للإعتكاف في الدستور وأنّ إقدام الرئيس دياب على خطوة كهذه سيزيد “الطين بلة” في الظروف المعقّدة التي تمرّ بها البلاد والعباد.

 

وبينما تحدّث مستشار رئيس الحكومة المستقيلة خضر طالب عن إتصالات سياسية مع الرئيس دياب لمحاولة ثنيه عن خطوة الإعتكاف، وعدم إمكانية عقد إجتماع حكومي وتفعيل إجتماعات الحكومة في ظلّ الإنقسام العمودي في البلاد، ألمح إلى إمكانية عقد جلسة لمناقشة وإقرار الموازنة بالرغم من وجود تحذيرات من أنّ إجتماع الحكومة مخالف للدستور.

 

وكان ملفتاً في كلام مستشار رئيس الحكومة في أكثر من مرّة السؤال عن دور مجلس النواب، إن لجهة البطاقة التمويلية وقرض البنك الدولي أو موضوع ترشيد الدعم، أو حول موضوع ترسيم الحدود البحرية وتعديل المرسوم الذي يحتاج إلى حدّ أدنى من الإجماع.

 

ولأنّ الإعتكاف يعني توقّف كّل القرارات والأعمال التي تحتاج إلى توقيع رئيس مجلس الوزراء، فإنّ خطوة كهذه تعني حتّى التوقف عن تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق، فمدّعي عام التمييز السابق القاضي حاتم ماضي يقول متوجّهاً لدياب: “دولة الرئيس لا يوجد إعتكاف في الدستور، الإعتكاف خلال العمل الحكومي خرق للدستور، الإعتكاف في فترة تصريف الأعمال خرق للأخلاق، لا تعتكف رأفة بالناس، ولكن صرّف الأعمال بأقلّ من الحد الأدنى”.

 

وذكّر ماضي دياب بحظّه السيّئ لأنّه غامر وقبل ترؤس حكومة ليست مثالية.

 

وفي السياق، أوضح الوزير الأسبق المحامي والخبير الدستوري زياد بارود أنّ “كلام الرئيس دياب هو كلام سياسي قبل أن يكون دستورياً، وهو وجداني له علاقة بالناس وبمطالبها ومشاعرها”.

 

وأكّد بارود على أنّه “لا يوجد أي شيء بالدستور إسمه إعتكاف، وعندما تصبح الحكومة مستقيلة تصبح حكومة لتصريف الأعمال فقط لا غير، وإذا كان الإعتكاف سيؤدّي إلى وقف تصريف الأعمال فنحن سنذهب إلى تعطيل للأمور وعرقلة لشؤون الناس والمواطن”.

 

وذكّر بارود أنه “في عام 1994 إعتكف رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري عن ممارسة مهامه، وأنّ هناك فرقاً بين وزير معتكف ورئيس للحكومة معتكف”.

 

وكان بارود إعتكف عن ممارسة مهامه كوزير للداخلية في أيار عام 2011 بعدما أعلن إستقالته من الحكومة المستقيلة آنذاك وإعتكافه عن تصريف الأعمال على خلفية ما سمّاه حينها “البقاء في موقع شاهد الزور، والإشمئزاز من مشهد “إنحلال الدولة” الذي ظهر في مبنى وزارة الإتصالات، وما قال إنه إنتهاك دستوري يُسقط صلاحية الوزير بسبب عدم إمتثال المدير العام لتوجيهات الوزير وتعليماته.

 

وللتذكير، فإنّ خطوة الإعتكاف تعود إلى ما قبل الطائف، وكان أول من أقدم عليها رئيس الحكومة الراحل رشيد كرامي بعد أحداث عام 1969 عقب المواجهات المسلّحة التي حصلت بين الجيش والقوى الأمنية والتنظيمات الفلسطينية، حيث إعتكف عن العمل الحكومي حتّى إنتهاء الأزمة وتوقيع “إتفاق القاهرة”.