IMLebanon

حسان دياب “صامد”… احتمالات الفشل توازي النجاح

 

 

 

يعتصم رئيس الحكومة المكلف بالصمت، مكتفياً بالاستماع إلى ما يتلقّاه من أخبار وأفكار تعبّر عن آراء وطروحات شركائه الحكوميين، ولو أنّ هؤلاء سيدخلون الحكومة بشكل مقنّع من خلال وزراء اختصاصيين لا يحملون بطاقات حزبية ويفترض أنّهم على مسافة مقبولة من الأحزاب.

 

بالتوازي، يحاول حسّان دياب السير بهدوء في حقل ألغام تأليف حكومة لا يراد أن تشبه سابقاتها، ويفترض بها أن تواجه أصعب أزمة مالية – نقدية عرفها لبنان، لن تظهر تشوّهاتها إلا حين تستعيد المؤسسات الدستورية “وعيها”. كما عليها أن تصطدم بحراك شعبي فقد ثقته بكامل الطبقة السياسية، وقد يخوض مجدداً تجربة النزول إلى الشارع وبزخم أكبر. وعليها أيضاً أن تضمن تصويت أغلبية نيابية لمصلحتها في جلسة طلب الثقة، وبالتالي نيل رضى القوى السياسية وموافقتها.

 

لا شك أنّ ما يقوم به رئيس الحكومة المكلف هو أشبه بالمهمة المستحيلة، وقد تنتهي بفشل عظيم. ومع ذلك، لا يوحي الأكاديمي الآتي من عالم “الكتب والدراسات” أنّه قد يتراجع بسهولة أمام الصعوبات والعوائق التي تواجهه. ولا يوحي بالمقابل، أنّه يسعى إلى مراكمة زعامة شعبية تدخله نادي “كبار” الطائفة لناحية الحيثية التمثيلية. وحين تحضر أمامه نماذج رؤساء الحكومات السابقين، لعله يختار نموذج الرئيس سليم الحص بشكل محدد ليسير على خطاه.

 

الظروف المحيطة بعملية التأليف استثنائية، ويفترض أن تضع الطبخة على نار استثنائية. ولكن حتى الآن، لا تزال مشاورات رئيس الحكومة المكلف ضمن مربّع الأمان. ينهي اليوم أسبوعه الثالث على التكليف. ولكن أكثر من ثلث هذه المدّة، جيّر للقاءات البروتوكولية، والعطل الرسمية. وبالتالي هو لم يوظّف عملياً أكثر من أسبوعين من “مهلته المفتوحة” والتي أجرى خلالها وفق عارفيه أكثر من 150 مقابلة مع مرشحين لدخول حكومته.

 

ولهذا لا يبدي الرجل أي استعجال لحرق مراحل التأليف، خصوصاً وأنّ تجربة مماثلة شهدها المسرح اللبناني مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي شارك فيها دياب وزيراً للتربية، والتي احتاجت أكثر من ستة أشهر لرؤية النور.

 

يجزم عارفوه أنّه يخوض تجربة قاسية جداً تجعل منه “كاميكاز زمانه”، لأنّ احتمالات فشله توازي احتمالات نجاحه، وقد تتجاوزها في ضوء “المصائب” التي تنتظر الحكومة حين ينكشف مستور الانهيار المالي. لكنه مصرّ على السير بها طالما أنّ الحاجة إلى اسم من خارج النادي التقليدي ملحّة.

 

بهذا المناخ، قصد دياب قصر بعبدا أول من أمس متأبطاً مسودة حكومية للتشكيلة التي يراها مناسبة وتلبي العناوين التي طرحها لحكومته، بعدما تفاهم على عناوينها مع القوى السياسية الداعمة له. وأهمّ تلك العناوين أن تبقى بمنأى عن “نار” اللون السياسي.

 

وفق المطلعين على موقفه، عرض تلك المسودة على رئيس الجمهورية ميشال عون عملاً بالدستور الذي منح كلّاً من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف صلاحية التأليف. وقد تمّت مناقشة بعض الأسماء والتعديلات على قاعدة الانسجام مع طبيعة الحكومة التي يريدها دياب أي حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين وذوي الوقع الاستفزازي، وبالتالي فإن الإلتقاء بين عون ودياب لم يكن لمصلحة فريق على حساب آخر وإنما لمصلحة حكومة التكنوقراط.

 

ويفيد المطلعون بأنّ رئيس الحكومة المكلف خرج من قصر بعبدا بعد اجراء بعض التعديلات على الصيغة التي رفعها، وبعد ابداء رئيس الجمهورية موافقته عليه، ولكنه مع ذلك طلب استمهاله بعض الوقت قبل تأكيد موقفه النهائي.

 

ولهذا بدا متفاجئاً بالتسريبات المتشائمة التي اجتاحت أمس الواجهة الاعلامية، والتي تحدثت عن تعديلات طرأت على التفاهم المبرم مع رئيس الجمهورية. أما المفاجأة الأكثر وقعاً فأتت من عين التينة بفعل الكلام المنقول عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، بشكل يوحي وكأنّ هناك قطبة مخفية تحاك بعيداً من الأنظار من شأنها أن تدفع دياب إلى الاعتذار تحت وطأة الظروف الاقليمية التي باتت تتطلب حكومة ذات دسم سياسي ثقيل برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري.

 

وحده اصرار رئيس الجمهورية على رفض عودة الحريري إلى السراي الحكومي، هو الذي يسقط هذا السيناريو ويحول دون عودة أمور التأليف والتكليف إلى المربع الأول.

 

ولهذا لم تدفع هذه الأجواء الانقلابية، دياب وفق المطلعين على موقفه، إلى مراجعة خياراته، وهو لا يزال يتصرف على أساس أنّ باب المشاورات مفتوح بانتظار الاجابات النهائية التي ستحسم وجوه حكومته. وقد أبلغ ملتقيه يوم أمس أنه غير معني بهذه السلبية، وسيكمل مهمته حتى النهاية.

 

وقد عبّرت هذه التسريبات عن وجود تجاذبات لا تزال تعرقل ولادة الحكومة، تعود أولاً إلى رغبة رئيس مجلس النواب بالعودة إلى طرح الحكومة التكنو سياسية، وثانياً إلى الخلاف المستمر مع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل المعترض على أكثر من نقطة، رغم أنّ الأخير أبدى خلال اطلالته التلفزيونية استعداده لتسهيل مهمة رئيس الحكومة المكلف لدرجة التهديد بالعودة… إلى صفوف المعارضة.