يقف رئيس الحكومة حسان دياب محتاراً في أمره عالقاً بين الواجب والدستور والقوانين من جهة، وبين الاعراف اللبنانية والهيمنة الطائفية على مسار اعمال رئاسة الحكومة من جهة اخرى. وذلك بعدما برزت عقدة تفعيل الاجندة الحكومية وتصريف الاعمال الى الواجهة مجدداً، الّا ان دياب، وبعدما اصبح مدركاً «الى حدّ ما» اللعبة السياسية في الملعب اللبناني، حَلا له رَمي الطابة في مرمى رئيس مجلس النواب نبيه بري، وارتأى الخروج من الملعب واللعبة قبل تسجيل أي «فاول» يحرجه فيخرجه مجبراً منها، ولعلمه ايضاً أنّ في استطاعة رئيس المجلس وحده استعمال الصفارة ورفعها إيذاناً ببدء المباراة او بتوقفها.
وهكذا أصدر دياب بيانه بعد صمت واعتكاف وأسف، لافتاً الى أنه بعد زهاء ثمانية اشهر على استقالة حكومته لم تنجح الجهود في تشكييل حكومة جديدة تستكمل ورشة الاصلاحات التي بدأتها حكومته بهدف وضع لبنان على سكة الانقاذ…
وبعدما أقرّ دياب بأنّ الامور تجاوزت حدود المنطق وتحولت ازمة وطنية دار الجدل حول صلاحيات حكومة تصريف الاعمال، فطالب بدوره بتفسير دستوري يحدد سقف هذا التصريف ودور حكومته، رامياً الكرة في ملعب بري وتاركاً الحل في عهدته، معتبراً ان مجلس النواب يملك حصراً هذا الحق.
مصادر قضائية مطلعة تساءلت عن معنى تفعيل دور الحكومة بحسب المطلوب منها تحديدا، موضحة انه اذا كان عنوان «التفعيل» هو الظروف الاستثنائية والقضايا المتعلقة بالمهل والتي تقتضي الالحاح والضرورة كالموازنة، فيجب تفعيل دور الحكومة ويجب الاجتهاد في هذا الامر وهناك سابقة لهذا المنحى.
امّا في حال الذهاب نحو تفعيل الحكومة بمقدار اكبر، اي من خلال اتخاذ القرارات وتوسيع مفهوم تصريف الاعمال بحيث يتعدى اجتماع مجلس الوزراء الى أبعد من ذلك، رأت تلك المصادر «ان الأمر يلزمه اولا قرارا سياسيا وتفسيرا أشمل من مجلس النواب». لافتة في المقابل الى ان اجتماع مجلس الوزراء لهدف إقرار الموازنة او النظر في ظروف استثنائية جداً ومعالجة قضايا ملحة نظراً لظروف لبنان الاستثنائية فهو ممكن من دون الحاجة الى قرار من مجلس النواب»، مذكّرة ايضاً ان لهذا الأمر سوابق مماثلة.
وفي السياق يسود في الاوساط السياسية رأيان حول تفعيل الحكومة، الاول يقضي بوجوب انعقاد الحكومة فورا بغضّ النظر عن النتائج. والثاني يعتبر أن تفعيلها يتطلب اكثر من تصريف للاعمال، وبالتالي اذا ارادت الذهاب بعيدا في عملها، فهذا يعني حكماً انها في حاجة الى غطاء اضافي وهذا الغطاء هو سياسي بامتياز. في وقت يقرأ هذا البعض التفسير القانوني المطلوب من مجلس النواب على انه ليس سوى غطاءً سياسياً.
ماذا يقول الدستور؟
في الموازاة، تعتبر اوساط سياسية مراقبة موقف دياب «خطوة ديبلوماسية هو مُجبر عليها لأنه ليس في وارد الوقوف في وجه رؤساء الحكومات السنّة السابقين ومن ضمنهم طبعاً الرئيس سعد الحريري، وخصوصاً بعدما عقد الهدنة معهم في «حدها الادنى»، كما انه من جهة اخرى لا يريد الاصطدام برئيس الجمهورية او بـ»حزب الله». وبالتالي، ارتأى في المرحلة الحالية رمي الكرة في ملعب بري حلاً وسطياً وهروباً من اتخاذ القرار أو تحمّل تبعاته.
أما من الناحية الدستورية ففي النهاية من المفترض ان يُصار الى عقد جلسات للحكومة، لأنّ دياب لا يمكنه ترك البلاد سائبة الى هذا الحد، اما اذا اراد البعض التفكير في العمق الذي يتحدث عنه رئيس حكومة تصريف الاعمال بمعنى انه اذا اراد تفعيل حكومته والدعوة الى جلسات، فالامر لن يُرضي الحريري إضافة الى رؤساء الحكومة السابقين الذين سيعتبرون الامر التفافاً على تشكيل الحكومة، ولذلك يرى البعض انّ دياب وضع اليوم في موقف لا يحسد عليه.
وفي هذا السياق، يقول الخبير الدستوري المحامي سعيد مالك» «اذا اردنا التكلم على الصعيد الدستوري فمجلس النواب له وحده صلاحية تفسير الدستور ولكن تفعيل الحكومة لا يدخل في سياق التفسير الدستوري، لأنّ الدستور واضح إنما القضايا العملية التي يجب ان تُعقد جلسات حكومية لأجلها، إن كانت موازنة او ما شابه، لا يمكن لمجلس النواب في النهاية تحديدها. بمعنى أوضح، انه لا يمكن مجلس النواب «ان يبيع عالقطعة» فهو يحدد الاطر العامة. أمّا ما يحصل اليوم، اي مطالبة مجلس النواب بتفسير المادة الدستورية هي مطالبة صحيحة على الصعيد الدستوري، لأنّ المجلس هو «من يفسّر» لكن الموضوع ان مجلس النواب لا يمكنه ان يفسر تفاصيل الأفعال اي لا يستطيع ان يتدخل في كل تفصيل او فعل، وأن يقول هنا يحق لمجلس الوزراء الاجتماع وهنا لا يحق له. فمجلس النواب يضع الإطار، والدستور يضع الاطار، اما اذا تخطى مجلس الوزراء حدود تصريف الاعمال فهناك يبرز دور القضاء الاداري».