لم يكن يخطر على بال أكثر المتشائمين في أحوال البلاد ان تصل أمور اللبنانيين الى هذا الحد من التردي المرشح ليس فقط للإستمرار، بل لأن تصبح الأمور أسوأ في ظل انسداد في الملف الحكومي على عكس ما سُرب حول خروقات جدية وتفاؤلية.. عادت وتبخّرت.
ويبدو من خلال التقاطعات المتعددة والمختلفة داخليا وخارجيا، أن لا اقتراب للإنفراجة الحكومية كون العثرات التي تحول دونها لا تزال نفسها تحت عناوين مختلفة. وتنحصر المعركة المعلنة التي تتخذ منحى شخصيا بالكباش بين العهد بشقيه رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، والرئيس المكلف سعد الحريري، على موازين قوى ترسم الخريطة المقبلة للحكم في البلاد ومن بينها طبعا معركة رئاسة الجمهورية المقبلة التي لم تعد بعيدة.
وحتى في بيئة كل فريق لا منحى تفاؤليا في امكانية تحقيق ايجابيات كفيلة بتحريك الجمود القاتل الحاصل. وعلى الرغم مما يسربه عن تجاوز بعض المعوقات وبأن الكرة باتت في ملعب الحريري، فإن العهد لا يبدو متفائلا بذلك ويخوض معركة حياة أو موت في سبيل وراثة باسيل للرئاسة والتي باتت اليوم اكثر صعوبة من السابق. أما من ناحية الحريري فإنه لا يوفر فرصة لتصعيد التوتر مع باسيل سواء عبر بيانات علنية أو عبر تسريبات الى وسائل الاعلام وهو يُسر الى كل من يلتقيه بأن الأفق مسدود ولا يزال في انتظار الضوء الاخضر السعودي له رئيسا لحكومة واحدة من اكثر المراحل دقة إقليميا ولبنانيا.
ثمة من يقول في بيئة أخصام العهد إن الاوضاع سوف تستمر على هذا النحو لفترة طويلة حتى الانتخابات النيابية المقبلة. لا تكليف للتشكيل للحريري ولا اعتذار منه في الوقت نفسه، والناس التي تعيش المعاناة ليس لها سوى الصمود حتى تلك الانتخابات المفترض أنها ستجرى بعد اقل من عام وقد تكون الحكومة المستقيلة الحالية هي من ستجري الانتخابات، أو بمعنى آخر قد تكون هي «حكومة الانتخابات» التي يتحدث البعض عنها وهو ما يفسر دعوات كبرى خرجت مؤخرا لتفعيلها.
وحتى ذلك الحين يخوض أخصام أو اعداء العهد معركة نزع شرعيته وانتظار المتغيرات الاقليمية والدولية.
هو سيناريو متشائم يُطرح بجدية وسط أسئلة بالغة الأهمية: كيف للّبنانيين الصمود حتى ذلك الحين وماذا عن الثمن الذي سيدفعونه من مالهم وقوتهم وصحتهم؟ ما الذي يضمن حتى إجراء تلك الانتخابات خلال عام من المقرر ان يشهد ايضا انتخابات بلدية وانتخابات رئاسية في أواخره؟ ثم هل يضمن المسؤولون ردة فعل الشارع الذي بدأ رحلته نحو ما يسمى بـ«الفقر المدقع» أي عدم كفايته ماديا لإشباع حاجاته الجسدية من الغذاء؟!
إنفراجات في حزيران؟
ومن السخرية المريرة ان اللبناني بات في هذه اللحظات يضع اولوية الغذاء وحليب الاطفال قبل الكهرباء والبنزين المقنن في صفوف الذل التي لا تنتهي! وهو يقارب كوارثه الاجتماعية والمعيشية التي باتت معها الطبقة السياسية محط لعناته بعد تعثر الانتفاضة الشعبية التي حاربتها تلك الطبقة بشراسة وتحالفت بين بعضها البعض بكل مكوناتها لإفشالها، حتى استعادت اليوم بعض ما فقدته عبر رشواتها المعيشية للمحتاجين لمساعدات تقيهم الذل والجوع.
على ان البعض يشير الى ان شهر حزيران الحالي سيشهد المزيد من الايجابيات الدولية الاقليمية التي سيفيد لبنان منها. فالاتفاق النووي بين الولايات المتحدة الاميركية وإيران دخل مرحلته النهائية وربما الاكثر تعقيدا، ومعه فك الاشتباك السعودي الايراني وبداية انفتاح خليجي سيتخذ وقتا مع سوريا التي ما من شك ان لبنان سيستفيد من اية انفراجة فيها كونها بوابته البرية الوحيدة.
وبذلك ليس على اللبنانيين سوى الاستسلام لمصيرهم.. والإنتظار!