Site icon IMLebanon

لن يحضر دياب فماذا سيفعل بيطار؟

 

 

لن يَمثُل رئيس حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسان دياب أمام المحقق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار في الموعد الذي حدده له للإستماع إليه كمدعى عليه في 26 آب الحالي. لا هو سيحضر إلى قصر العدل ولا القاضي بيطار سينتقل إلى السراي الحكومي لاستجوابه. فالرئيس دياب لم يتبلغ طلب المثول الذي وجهه إليه القاضي بيطار تماماً كما لم يتم تبليغ الوزير السابق يوسف فنيانوس.

 

بين عدم تبليغ دياب وعدم تبليغ فنيانوس عامل مشترك خطير وكبير وهو أن الأجهزة القضائية والأمنية التي من المفترض أن تكون تحت إمرة المحقق العدلي لا تساعده في التحقيق كما تقتضي خطورة الجريمة. أكثر من ذلك هي تعرقل التحقيق وتعمل في مصلحة عدم إحقاق الحق وتحقيق العدالة وتساعد في مسألة الإفلات من العقاب. لم تبدأ المسألة مع تبليغ دياب وفنيانوس. عندما يكون هناك رئيسان لجهازين أمنيين من بين المدعى عليهم ويرفضان المثول أمام القاضي ويستمران في منصبيهما فتلك علامة من علامات تفكك الدولة والمنظومة الأمنية والقضائية. بذلك لا يختلف وضع مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم ومدير عام أمن الدولة اللواء أنطوان صليبا عن وضع دياب وفنيانوس وعن وضع النواب غازي زعيتر وعلي حسن خليل ونهاد المشنوق. ولكن على رغم كل ذلك يبقى وضع المحقق بيطار هو الأقوى. لأنه يمسك بتفاصيل الملف بينما الآخرون يتصرفون وكأنهم يدينون أنفسهم ويثبتون التهمة التي جعلت القاضي بيطار يدعي عليهم بسببها. هم يحكمون على أنفسهم قبل أن يحدد بيطار مسؤولياتهم في التفجير ويؤكدون ما ذهب إليه البعض على أنهم لو كانوا واثقين من براءتهم لما تخلفوا عن الحضور ولما تمسكوا بمسألة الحصانة الوظيفية أو النيابية.

 

اليوم الأربعاء ثمة جلسة لدى القاضي بيطار مخصصة لقائد الجيش السابق العماد جان قهوجي ومدير المخابرات السابق أيضا كميل ضاهر ولكنهما لن يمثلا ذلك أنهما تقدما عبر وكلائهما بدفوع شكلية لم تكن قد بتت بها بعد النيابة العامة التمييزية التي توجد ملاحظات أيضا على طريقة مقاربتها لهذه القضية. وهذا المسار الذي يسلكه قهوجي وضاهر يدخل ضمن السياق العام للمسار القضائي فهما ليسا مشمولين بأي حصانة ولا يمكنهما إلا أن يسيرا بموجب هذه الخطوات وهي من حقوقهما القانونية.

 

في المعلومات أن القاضي بيطار لم ينه تحقيقاته بعد وأنه على الأرجح لا تزال لديه لائحة من الشهود وينتظر جلاء صورة الطريق الذي سلكته مسألة رفع الحصانات في مجلس النواب. وفي المعلومات أيضا أنه استمع إلى إفادة شهود ظهروا على إحدى الشاشات التلفزيونية.

 

الرئيس دياب الذي تحصّن بموقعه كرئيس لمجلس الوزراء يحاول أن يلجأ أيضا إلى آلية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء المتجمدة في مجلس النواب بعد عدم اكتمال النصاب في الجلسة التي كان دعا إليها الرئيس نبيه بري في 12 آب الماضي. وهو يحاول أن يضع نفسه في نفس الوضعية التي تحصّن رئيس الجمهورية الوحيد الذي يحظى بموجب الدستور بالحصانة أمام الجرائم العادية. وهو ما ذهب إليه أيضا الرئيس سعد الحريري عندما هرع إلى السراي الحكومي للتضامن مع دياب بعدما كان ادعى عليه المحقق العدلي السابق القاضي فادي صوّان. والرئيس دياب يضع نفسه في الخانة نفسها مع الرئيس عون على خلفية أنّهما كانا يعلمان بموضوع كميات نيترات الأمونيوم المخزنة في العنبر رقم 12 وخطورتها ولم يفعلا شيئاً. وبالتالي يعتبر أنه لماذا ادعى عليه القاضي صوان ثم أكد الإدعاء القاضي بيطار بينما لا ادعاء ولا استجواب للرئيس عون؟ مع الإشارة إلى أن دياب أكثر من عون كان على موعد للقيام بعملية دهم للعنبر رقم 12 ولكنه تخلف عن القيام بهذه المهمة بعدما تلقى اتصالاً لم يتم الإفصاح عن صاحبه بعد ينصحه فيه بعدم النزول إلى مرفأ بيروت لأن البضاعة كناية عن مواد كيماوية تستخدم في الزراعة.

 

تجاه هذا الوضع الذي يحاولون فيه تطويق القاضي بيطار، خصوصاً بعد المطالعة التي أبداها أكثر من مرة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله واعتبر فيها أن التحقيق انتهى وأن القاضي بيطار مسيّس وتحركه جهات مسيّسة وأن التحقيق مشبوه، هل يستطيع القاضي بيطار أن يستمر في التحقيق وهل يمكن أن تتكرر معه دعوى كفّ يده للإرتياب المشروع؟

 

هذه المسألة مع القاضي بيطار أصعب مما كانت عليه مع القاضي صوان. إذا كان النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر طعنا بحيادية القاضي صوان فمن الأصعب عليهما، ومعهما النائب نهاد المشنوق، الطعن بحيادية القاضي بيطار. ذلك أن القضية التي تحولت قضية عامة وقضية رأي عام وشعب لا يمكن أن تجعل أحداً يقتنع أن القاضيين معاً يتحاملان على المدعى عليهم. وأكثر من ذلك، إذا كان القاضي صوان تجاوز بعض الممرات القانونية فإن القاضي بيطار لم يترك ثغرة في ادعائه بعدما سلك الطريق الصحيح مع علمه أنه سيستغرق وقتاً أطول. ولذلك من الصعب اليوم طلب كف يده ولذلك تجري محاولات عرقلة التحقيق للحؤول دون قيامه بأي خطوات إضافية والمساهمة في عدم تمكينه من بناء قراره الإتهامي والطعن به في حال تجرأ وأصدره متجاوزاً مسألة الإستماع إلى من يتحصنون بالحصانات.

 

فلدى القاضي بيطار أوراق قوة يمنحه إياها تكليفه بهذه المهمة. إذا تشكلت الحكومة مثلا سقطت الحصانات عن النواب ذلك أن المجلس النيابي لا يعود في دورة انعقاد حكماً بسبب استقالة الحكومة. وهذا ما يعطيه حق استدعاء النواب. ولكن حتى لو حصل ذلك فإنهم لن يحضروا ولن يحصر حسان دياب ولا يوسف فنيانوس ولا اللواءين عباس ابراهيم وأنطوان صليبا.

 

ولكن على رغم ذلك لا طرقات مقفلة أمام القاضي بيطار طالما هو مؤمن بما كان تعهد به لجهة إصراره على الوصول إلى الحقيقة وإصدار القرار الإتهامي. ولكن قبل إصدار هذا القرار عليه أن يمر حكماً أيضا عبر النيابة العامة التمييزية من أجل أن تضع مطالعتها في الأساس. ولكي تقوم النيابة العامة التمييزية بهذا الدور المنوط بها حكماً يمكن أن تطلب من القاضي بيطار مثلاً أن يحيل إليها الملف كاملا بدل أن يقدم إليها المعطيات التي توصل إليها ومثل هذا الأمر قد يتطلب إهداراً للوقت نظراً لضخامة الملف الذي تحتاج استعادته بالتفصيل أشهراً من القراءات.

 

وحتى لو حصل ذلك وتم التأخير، وحتى لو كان التأخير مقصوداً، فإن القاضي بيطار يحتفظ بقراءته الخاصة لتحقيقاته وبالتالي يبني قراره الإتهامي على أساسها من دون أن يكون ملزماً بمطالعة النيابة العامة التمييزية، ذلك أنه يتمتع بحصانة كاملة وعندما يصدر قراراه الإتهامي يصبح هذا القرار هو الذي تجرى على أساسه المحاكمة أمام المجلس العدلي وهو غير قابل للطعن. وربما هذه هي قوة القاضي بيطار بحيث لا يمكن أن ينازعه أحد في صلاحياته خصوصاً إذا كان محصناً بالرعاية الشعبية وبحق اللبنانيين في معرفة الحقيقة مهما كانت صعبة على الذين شككوا بالتحقيق وحاولوا أن يوقفوه بطرق كثيرة.

 

أما المحاكمة أمام المجلس العدلي فهي شأن آخر…