“الارتياب” وسيلة “المتّهمين” الأسهل
“طار” حسان دياب الى بلاد العم سام ضارباً بعرضِ الحائط مذكرة الإستدعاء الصادرة بحقّه وموعد الإستجواب و”السؤال” والتحقيق والمواجهة والأدلة والبراهين والقضاء والقدر… لكن، هل سيتحول حسان دياب الى فار من وجه العدالة أم أن هناك من نصحه بالإبتعاد “تقطيعاً” للوقت. ففي شهر، وعكس المقولة الرائجة، قد “يُقتل الذئب أو يفنى الغنم”؟ وهل ينسحب “الإرتياب” الذي تخلصوا به من القاضي فادي صوان “بارتياب” يخلصهم من القاضي طارق بيطار؟
البلد رابض على “مكائد” ومؤامرات وتواطؤ ومراوغة وخداع ونفاق وفساد. لا أحد يشك طبعاً في ذلك، لكن، هل يجوز أن يخرج من يتآمر على أول قاضي تحقيق ثم على ثاني قاضي تحقيق في قضية بحجم إغتيال عاصمة كما الشعرة من العجينة؟ هل يجوز “التبرير” تحت أي حجة لمنع التحقيق مع من يستدعيهم أول محقق عدلي ثم ثاني محقق عدلي؟
هل يصدر القاضي بيطار مذكرة توقيف في حق حسان دياب؟
حسان دياب، إستُدعي الى التحقيق العدلي فقامت القيامة. وزراء آخرون استُدعوا أيضاً فقامت القيامة. فمن أين يبدأ إذاً التحقيق؟ من أين يبدأ قضاة التحقيق؟ عارفو قاضي التحقيق طارق بيطار يدركون أنه لا يستسلم بسهولة، وهو، منذ اليوم الأول الذي قبل فيه باستلام التحقيق في ملف إنفجار المرفأ، كان يدرك أن الطريق لن تكون معبدة أمامه. هي طريقٌ مليئة بالألغام والعراقيل في بلاد “منظومتها الفاسدة” متجذرة في المفاصل. وهذه حقائق بات يعرفها القاصي والداني. لكن، ما يحدث اليوم أن من يُمسكون بمفاصل البلد باتوا يتصرفون “ع راس السطح” ويحاضرون بالعفة واضعين خطوطاً حمراء، على ذوقهم، في ملفٍ أذنبوا جميعاً فيه.
البحث عن سبب للارتياب
القاضي فادي صوان كفّت يده على خلفية طلب وزيرين سابقين (سبق وادعى عليهما) فأوكل الملف الى القاضي طارق بيطار. وإذا كان الأول أبعد بحجة الإرتياب المشروع، فإن هناك من يعمل الآن “للإرتياب” بالقاضي بيطار، بدليل وثيقة سُربت تقول أنه تقدم بكتاب الى البنك اللبناني- الفرنسي لتسديد ما تبقى من ثمن منزله “كاش” (نقداً)، والمبلغ هو 800 مليون ليرة لبنانية، كان يستحق عليه للإسكان على أن يُسدد كاملاً في السنة 2044. هو قرض سكني مدته ثلاثون عاماً. هناك من أراد “الإرتياب” به في هذا الموضوع. فهل هناك مشروعية لذلك؟ صحيح أن القاضي بيطار أراد ذلك بالفعل، كما غالبية اللبنانيين، الذين أخذوا قرضاً سكنياً بالعملة اللبنانية وأصبح بإمكانهم اليوم سداده بعدما بات مبلغ 800 مليون ليرة لبنانية يعادل فقط 45 ألف دولار (قبل أن يتراجع الدولار أمام الليرة في اليومين الماضيين). أحد عارفي القاضي أكد أن “الريّس” نظيف الكفّ ولم يتقاض في حياته “حبة شوكولا” من طرف ما، وإذا كان قد فعل فليعلن من فعل عن ذلك على الملأ الآن، أما قراره السداد فهو محق، ما دام قد جمع هذا المبلغ طوال أعوام عمله وزوجته التي تعمل بين لبنان والخارج، في وظيفة مديرة إقليمية في الشرق الأوسط، وكانا يجمعان ما يحصلان عليه من “عرقهما” من أجل “فرش” منزلهما في البياضة الذي لا يزال حتى اليوم شاغراً بمعظمه، لكن، بعدما أصبح بإمكانهما إنهاء القرض بهذا المبلغ فلماذا يمتنعان عن تسديد القرض؟ من يعرف القاضي بيطار يعرف أن قدميه على الأرض. وأنه أقام الحفل الذي تلا عرسه في البهو الخارجي للكنيسة بمبلغ لم يتجاوز حينها الستة آلاف دولار. ولولا انهيار العملة اللبنانية لكان سدد قرضه بعمر 68 عاماً”.
هي قشورٌ ينهمك بها البعض بحثاً عن “إرتياب” ما في قاضي التحقيق في “إغتيال مدينة”. فلندخل إذاً في اللبّ: هل يمكن إعتبار حسان دياب الذي غادر الى الولايات المتحدة الأميركية في حال لم يمثل في العشرين من هذا الشهر أمام القاضي لاستجوابه فاراً من وجه العدالة؟
الجلسة الأولى التي حددها بيطار لاستجواب دياب كانت في 26 آب الماضي لكنه لم يحضر. وها قد عاد وكلف القوى الأمنية إحضاره الى دائرته في قصر العدل قبل 24 ساعة من موعد جلسة الإستجواب المقبلة المحددة بعد يومين ، في العشرين من أيلول. لكنه، كما تعلمون، لن يحضر أيضاً. فكيف سيتعامل يا ترى القاضي بيطار مع هذا الموضوع؟
الرئيس حسان دياب سافر الى الولايات المتحدة الأميركية لأنه مشتاق الى ولديه رامي ورضوان، الأول موجود في نورث كارولينا (كارولينا الشمالية) والثاني موجود في هيوستن- تكساس. وقد يعود ويزور، في دربه، إبنته رزان الموجودة في دبي. فمن يدري؟ ما دام ارتاح من “الحكومة” وهو أقوى من كل مذكرات الجلب القضائية. وما دام هناك ما يشبه التواطؤ بينه وبين النيابة العامة التمييزية التي لم تبلغه “عمداً” في الوقت المناسب فسمحت له بالسفر.
قضائياً، كان يفترض إحضار دياب ولو بالقوة لكنه ليس مطلوباً. ثمة فارق بين مذكرة الإحضار ومذكرة التوقيف التي تأخذ مجراها في حال لم يحضر. عندها سيصبح حسان دياب بعد العشرين من أيلول مطلوباً. ويفترض بالنيابة العامة إصدار تعميم بتوقيفه. فهل ستفعل النيابة العامة ذلك؟ القاضي قام بما عليه وهو لن يبحث عنه بنفسه بل على القوى الأمنية أن تفعل ذلك. لكن في دولة “فارطة” ما يجب وما يفترض وما هو مطلوب قد يبقى أمراً عادياً! ويبقى “دولته”، من حيث الواقع، يجول ويصول في العالم.
ما رأي الدكتور في القانون الدولي المحامي طارق شندب؟
يقول شندب” حتى اليوم لا يمكن اعتبار حسان دياب فاراً من وجه العدالة على اعتبار ان موعد الجلسة لم يحن بعد وربما يرسل محامياً ممثلاً عنه، فإذا فعل ذلك وارسل من يمثله وقدم دفوعاً شكلية يختلف الوضع نهائياً. الدفوع الشكلية إذا قدمت ستعتبر أنه رئيس حكومة (سابق) ولا يجوز أن يحاكم أمام المجلس العدلي او أمام المحقق العدلي. وهذا ما قد يفعله بحسب ما وصل إلينا بالتواتر. أما إذا لم يحضر محامٍ عنه ولم يتقدم بدفوع شكلية عندها سيعتبر فاراً من وجه العدالة ويحق للمحقق العدلي اتخاذ الإجراء القانوني الذي يراه كإصدار مذكرة او سواها. هذا هو وضع حسان دياب من الناحية القانونية. أما الموضوع فيختلف من الناحية السياسية فما يتذرع به هو وسواه من امتلاكهم حصانات ولا يجوز محاكمتهم امام المحقق العدلي او المجلس العدلي فهذا الأمر حوله خلاف وانا مع رفع الحصانات عن الجميع وحتى عن اللواء عباس ابراهيم، لذا يفترض بالمحقق العدلي ان يستدعي ابراهيم ايضاً بصفته الأمنية كمدعى عليه ولا سيما أن هناك وزير داخلية جديد كان قاضياً، وبالتالي اعتقد ان المحقق العدلي يستطيع الآن ان يطلب إذناً جديداً من وزير الداخلية لملاحقة عباس ابراهيم. فإذا كان حسان دياب لا يعتبر موظفاً فإن عباس ابراهيم هو موظف وضابط أمني ومدير عام الأمن العام وبالتالي هناك فرصة امام قاضي التحقيق ان يطلب مجدداً ملاحقته. في المطلق لا يمكننا ان نقول عن حسان دياب انه فار من وجه العدالة إلا إذا تخلّف عن الحضور في العشرين من هذا الشهر او لم يرسل محامياً ممثلاً عنه وبعد ذلك يحق لقاضي التحقيق اتخاذ الإجراء الذي يراه مناسباً”.
القانون قانون والقضاء قضاء والفساد فساد والمؤامرات في عزها. لذا، كل شيء يبدو جائزاً في بلد يُصبح التحقيق فيه جريمة، والمجرمون “خطوطاً حمراء”. في كل حال، ما يتردد في أقبية قصر العدل أن ليس كل من يطلب القاضي استجوابه “فاعلاً” وليس كل من لم يتم إستدعاؤه حتى اللحظة “بريئاً”. فالمحقق العدلي ملزم بالإستماع الى كل من تشير المعطيات الى امتلاكه “شيئاً” في خيوط التحقيق في سبيل أن يكشف عن “الأعظم” فكيف السبيل للوصول الى خواتيم ملف يعرقلون بداياته. فحسان دياب، الذي استدعي من قاضيين متتاليين في الملف، قد يقود الى “فاعل” وليس بالضرورة أنه فاعل. لذا، من يعيق مسار التحقيق معه قد يكون مشاركاً في الجريمة. وهو، بهروبه، قد يكون يخفي “فاعلين”.
من يعرف حسان دياب يدرك أن الرجل الذي يحسب حساب كل كلمة يقولها، ويمحو كلمات كثيرة قبل أن يرسو على واحدة، يخشى من “الإنزلاق” في ما يفترض ألّا يقوله. فهو قال ان ثلاث معلومات مختلفة، في مكالمتين مختلفتين، وصلته حين كان يستعدّ لينزل الى المرفأ قبل أيام من دوي الإنفجار لكنه لم يقل ما كانت المعلومات، وممن أتته، وهذا ما يجعل السؤالين التاليين مشروعين: ماذا يخفي حسان دياب؟ من يحمي حسان دياب؟ ثمة سؤال آخر: لماذا إستباق التحقيق مع من سطّر بحقهم قاضي التحقيق مذكرات إستجواب أو جلب للقول: لماذا لم يستدعَ الجميع؟ فمن قال لهؤلاء أنه لن يعود ويستدعي بعد “أول دفعة” كل الباقين؟
ترى هل لدى المرجع الدستوري حسن الرفاعي (98 عاماً) رأي في مسار تحقيق من هذا النوع؟
يقول المرجع الدستوري “أنهم “خردقوا” الدستور ويختصر رأيه من كل ما نعيشه في لبنان بمقولة: “ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم”. فحسن الرفاعي يتمنى لو بقي فلاحاً من بعلبك ولم يتخصص في الدستور ويشاهد ما يشاهده اليوم “فهناك ديكتاتور يدير البلد” و”ميقاتي جوا غير برا”. واللبيب من الإشارة يفهم.
هناك قانون في لبنان. فليتذكر من نسي ذلك. ولنراقب ما ستؤول إليه الأحوال: فهل يربح القانون أم يربح من تجاوزوا كل القوانين؟