Site icon IMLebanon

أيّ مغزى لكلام الرياض عن دياب: لا عداوة معه؟

 

 

استفزازان سيجبههما الرئيس حسان دياب في جلسة الثقة بحكومته الثلاثاء: خصومه في كتلة تيار المستقبل رأس حربة معارضته داخل القاعة، وانضمام الشارع السنّي الموالي للتيار إلى الحراك باحتدام للاحتجاج واعتراض الخطة الأمنية وعرقلة حصول الحكومة على الثقة

 

بدا توقيت زيارة السفير السعودي وليد البخاري لمفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان في 4 شباط، على أبواب جلسة مثول حكومة الرئيس حسان دياب أمام البرلمان لنيل الثقة، مهماً. منذ إعلان حكومة دياب في 21 كانون الثاني، لم يظهر إلى العلن تحرك للسفير في أي اتجاه. كذلك منذ ما بعد استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري في 29 تشرين الأول.

 

الأمر نفسه بالنسبة إلى مفتي الجمهورية. مذ 8 كانون الأول المنصرم، عندما أعلن سمير الخطيب اعتذاره عن ترؤّس الحكومة من أمام دار الإفتاء، لم يصدر أي موقف علني للمفتي حيال الاستحقاق الحكومي، سوى ما أورده الخطيب نقلاً عن دريان أنه يسمي الحريري لرئاسة الحكومة. كذلك لم يجتمع المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى منذ 26 تشرين الثاني الفائت، هو الذي اعتاد مواكبة الاستحقاقات المهمة وخصوصاً التي تعني الطائفة، فطالب في اجتماعه الأخير حينذاك باستعجال إجراء الاستشارات النيابية الملزمة التي أبطأ رئيس الجمهورية ميشال عون دورتها، وأخّرها 50 يوماً عن موعدها التقليدي.

الكلام الرائج منذ تكليف دياب، أن لا تواصل بينه والمرجعية الدينية السنّية الأولى. قيل الكلام نفسه بعد إعلان حكومته. رغم أن المفتي لم يهنئه في المرة الأولى، ولا الثانية، إلا أن لا موقف سلبياً ظهر للعيان مذّاك. ما عنى انتظار بعض الوقت. سوى ما نقله سمير الخطيب، لم تجهر دار الإفتاء باسمها برفض دياب لئلا يقال بأنها تتدخل في استحقاق دستوري. كذلك لم ترحب بالرجل، ولم تعبّر عن حماسة له. البعض عزا الأمر إلى ضغوط مارسها الحريري على صاحب الدار، على نحو ما فعل حينما أرغم الخطيب على زيارة دار الإفتاء أولاً قبل بيت الوسط لإعلان انسحابه من رئاسة الحكومة، ودعم ترشيح الحريري.

ما قيل عن دار الإفتاء، رُوي أيضاً عن السعودية. الأولى تنتظر الثانية وليس العكس. لم تدلِ الرياض بأي إشارة غضب إلى تكليف دياب ثم بعد إعلانه حكومته، لكنها لم ترسل أيضاً إشارة معاكسة. مجرد التريث أتاح التكهن بأن علاقة رئيس الحكومة بالمملكة ليست بالسوء الذي يروّج له البعض، وقد لا تكون كذلك. وهو ما حمله على القول بأنه في صدد جولة عربية تبدأ حتماً بالرياض بعد حصول حكومته على الثقة. إلا أن دياب لم يكفّ عن القول بأن دار الفتوى ستستقبله بعد نيل الثقة. بذلك أتاحت زيارة البخاري لدريان التكهن بشيء من الانفراج الوشيك. تقاطَعَ هذا الموقف مع معلومات في حوزة رئيس الحكومة تحدّثت عن انطباعات إيجابية ستجعل لقاءه بالمفتي مؤكداً.

بيد أن ثمة معطيات إضافية تعزز هذا الاعتقاد:

أولها، تواصل حصل قبل أيام قليلة مع مسؤولين في المملكة بغية استشراف موقفها من رئيس الحكومة، فجاء الجواب أن «لا عداوة معه». ذُكر أيضاً أن لا أسباب لانزعاج المملكة منه، لكنها لا تستعجل الحكم عليه «قبل انتظار الأفعال»، وتالياً إمهاله فرصة. لم يُشر مضمون هذا التواصل إلى غضب من إقصاء الحريري عن السرايا، وبدا أن الرياض غير مهتمة كأنها غير معنيّة به، ولم يعد الرجل «ولدنا».

ثانيها، بإزاء صمت الرياض حيال حكومة دياب، تبدو لافتة القطيعة في علاقة سفيرها بالحريري، كأنها مرآة انقطاع علاقته بكبار المسؤولين السعوديين، وخصوصاً أن القناة الوحيدة – وقد تكون الأخيرة – تجمعه بالمملكة هي اتصاله بمستشار في الديوان الملكي هو نزار علولا. أضف الودّ الشخصي المفقود بين البخاري والحريري.

 

إحياء ذكرى 14 شباط يتيمة مقطوعة من شجرة

 

 

لم تستجب المملكة أيضاً لرغبة رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع حملها إليها الوزير السابق ملحم الرياشي الذي زارها الأربعاء ما قبل الأخير، مقترحاً في لقاء جمعه بفريق عمل الملف اللبناني هناك، رعايتها مصالحة بين جعجع والحريري بجمعهما قبل الوصول إلى إحياء ذكرى 14 شباط، كأنما تساعد على بعث الروح في قوى 14 آذار. جواب المملكة أنها لا تتدخل في شأن بين فريقين لبنانيين. أضف أنها ليست في وارد تعويمه مالياً ومساعدته، وإخراجه من ضائقته، بعدما أضحت على طاولة المحاكم السعودية 130 دعوى شخصية رفعها ضده – كمواطن سعودي – موظفو شركته «أوجيه سعودي» المصروفون بلا تعويضات. ناهيك بتراكم الديون المترتبة على الشركة التي تبلغ 10 مليارات دولار فيما تصفيتها جلبت 4 مليارات دولار فقط.

لعل المفارقة التي يريد جعجع تجنبها، أن إحياء ذكرى اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط هذه السنة، أقرب ما تكون إلى يتيمة، مقطوعة من شجرة، يحييها الحريري في بيت الوسط، بيت عائلته، كأن الحدث صار شأن العائلة وحدها بعدما اعتاد في السنوات الماضية على إحيائها في «بيال» على مستوى كل لبنان. لم يعد أحد من رفاق ذلك الزمن إلى جانبه، وكان سبّاقاً الى الانفصال عنهم. وليد جنبلاط وسمير جعجع لن يحضرا، وإن أوفدا مَن يمثلهما. كذلك بالنسبة إلى الحليف السابق حزب الكتائب. الرئيس فؤاد السنيورة لم يكن حتى البارحة قد دُعي إلى الذكرى. أما النائب نهاد المشنوق فشُطِب اسمه من لائحة المدعوين.

ثالثها، توجيه دار الإفتاء دعوة إلى عقد اجتماع للمجلس الإسلامي الشرعي الأعلى اليوم، دُعي إليه دياب على أن يحضره الحريري والرئيسان نجيب ميقاتي وتمام سلام. بلغ إلى رئيس الحكومة بعدما تبلّغ الدعوة الأربعاء أن الرؤساء السابقين في صدد نصب مكمن له من خلال بيان يصدر عن الاجتماع يحرجه. بعيد ظهر اليوم التالي الخميس أعلم الدار باعتذاره عن الحضور، فألغى الرؤساء السابقون مشاركتهم فيه ما أثار امتعاض المفتي. فُهِم من مغزى موقف دياب – ما خلا انزعاجه مما كان ينتظره لاستفزازه – أنه يفضل أن يكون لقاؤه الأول منفرداً مع الزعيم الديني للطائفة كي يتكلما في ما يعنيهما وحدهما بالذات.