هناك ثقة مفقودة بين الشعب اللبناني وحكومة حسّان دياب. لا يعود ذلك الى كون البيان الوزاري لا يعني المواطن من قريب او بعيد فحسب، بل لانّ «حكومة حزب الله» في «عهد حزب الله» تستورد أيضا حلولا، جرّبت في ايران ويجري تجريبها في العراق، من اجل اسكات الناس. لا يمكن اسكات الناس بواسطة كلام معسول لا ترجمة له على ارض الواقع ترافقه تهديدات مبطنة باللجوء الى تدابير امنية لمنع ايّ تحرّك شعبي في بلد لا تقدّم فيه الحكومة أي جواب مقنع عن أي سؤال منطقي.
المعني بالاسئلة المنطقية لماذا لا تريد الحكومة حلّ مشكلة الكهرباء عن طريق اللجوء الى شركات معترف بها عالميا ذات خبرة طويلة في هذا الشأن؟
ليس سرّا ان مشكلة الكهرباء التي يتولى معالجتها «التيّار الوطني الحر»، أي حزب رئيس الجمهورية وصهره جبران باسيل تتفاقم منذ احد عشر عاما. أي منذ صارت وزارة الطاقة في عهدة العونيين. كيف يمكن لطرف لا يهمّه سوى بقاء البواخر التركية في البحر قبالة الشاطئ اللبناني ان يجد حلولا لمشكلة الكهرباء التي تتسبب بعجز كبير في الموازنة وتزيد قيمة الدين العام بشكل سنوي؟ لا يمكن إيجاد حلّ لمشكلة مثل الكهرباء لدى استبعاد شركة مثل «سيمنس» سبق ان عرضت خدماتها على اللبنانيين. هذه الشركة الألمانية اثبت انّها قادرة على إيجاد مخرج. من لديه ادنى شكّ في قدراتها وخبراتها يمكن احالته الى التجربة المصرية حيث نجحت «سيمنس» في جعل بلد من مئة مليون نسمة ينسى، خلال فترة قصيرة، مشكلة اسمها الكهرباء…
ثمّة فارق بين حكومة تمتلك فريق عمل متجانس تضمّ بالفعل اختصاصيين يستطيعون التعاطي مع مشاكل معيّنة وحكومة موظفين عند سياسيين. ولكن ما العمل في بلد صار فيه شخص مثل النائب إبراهيم كنعان (عوني) يتحدّث في السياسة والاقتصاد رافعا صوته في وجه نائب سابق محترم وفاضل ومهذّب مثل روبير فاضل يتكلّم لغة الأرقام والمنطق؟ الا يدعو مشهد من هذا النوع الى الترحّم على ما بقي من قيم مرتبطة بالسلوك الحضاري بحدّه الادنى في لبنان؟
حسنا، لنضع مشكلة الكهرباء جانبا. ما الذي لدى الحكومة تقوله للمودعين الذين حجزت المصارف اللبنانية أموالهم؟ كيف لهذه الحكومة ان تتحدّث عن حلول في أي مجال كان اذا لم يكن لديها جواب مقنع عن وضع أموال اللبنانيين. هناك ما يزيد على نصف مليون حساب في المصارف اللبنانية. بكلام أوضح، ان كلّ لبناني تقريبا، من أي طائفة او مذهب معني بأزمة السيولة النقدية. فوق ذلك كلّه، ما الذي يعنيه توقف التحويلات الى خارج لبنان؟ كيف للشركات اللبنانية متابعة نشاطها؟ عندما تسرّب الحكومة الجديدة انّها ستحافظ على مصالح ذوي الدخل المحدود، فان ذلك يعني انّها ستمس بابناء الطبقة الميسورة وباموالهم. هل من يمتاك جرأة القول لحسّان دياب، الذي يعتبر نفسه احد جهابذة العلم والمعرفة، انّ افقار الأغنياء لا يفيد الفقراء وان نظريات «حزب الله» وما شابهه التي تركّز على المسّ بالمصارف هي الطريق الأقرب الى الكارثة والى تكريس حال الانهيار التي وصل اليها لبنان؟
هناك أسئلة منطقية كثيرة لا أجوبة لدى الحكومة عنها. أسئلة من نوع من يقوم بالاصلاحات المطلوبة من اجل تنفيذ الشروط التي فرضها مؤتمر «سيدر» الذي انعقد في باريس في نيسان – ابريل 2018؟
رصد «سيدر»، الذي يعني إصلاحات معيّنة وشفافية مطلقة وشراكة بين القطاعين العام والخاص، نحو احد عشر مليار دولار للبنان لتنفيذ مشاريع محدّدة. لن يستفيد لبنان من هذا المبلغ بعدما وضع «حزب الله» وادواته المسيحية وغير المسيحية كلّ العراقيل الممكنة امام حكومة سعد الحريري كي لا تكون هناك أي إصلاحات في أي حقل من الحقول او مكان من الأمكنة كالمطار او المرفأ، على سبيل المثال وليس الحصر.
الاهمّ من ذلك كلّه، ان حكومة حسّان دياب والذين شكّلوها لا يدركون ان مشكلة لبنان سياسية اوّلا وان ليس في هذه الحكومة من هو قادر على التحدث الى العرب او الاوروبيين او الاميركيين. يعود ذلك الى غياب أي عضو في الحكومة يمتلك حدّا ادنى من العلاقات الجيدة مع اطراف خارجية تؤثّر إيجابا على الوضع اللبناني. إضافة الى ذلك، ليس في الحكومة من يستطيع الاعتراف بانّ لغة البيان الوزاري هي لغة خشبية عفا عنها الزمن في وقت هناك عاملان لا يمكن تجاهلهما.
العامل الاوّل ان إدارة دونالد ترامب في حال حرب مع ايران. سلاحها في هذه الحرب، التي تستهدف ايضا أدوات ايران واذرعها مثل «حزب الله»، هو العقوبات. انهكت هذه العقوبات «الجمهورية الإسلامية» التي يتبيّن كلّ يوم انّها ليست سوى نمر من ورق يمتلك دهاء سمح له بالتذاكي على الإدارات الاميركية المتلاحقة منذ العام 1979. هناك حاليا إدارة مختلفة تعرف تماما ما هي ايران وتعرف في الوقت ذاته ما هو «حزب الله». فوق ذلك، ان هذه الإدارة لم تعد مهتمّة بمراعاة لبنان واخذ الحساسيات الداخلية اللبنانية في عين الاعتبار. حصل ذلك بعدما زال الخطّ، الوهمي او غير الوهمي، الذي كان يفصل بين «حزب الله» ومؤسسات الدولة اللبنانية في مقدّمها رئاسة الجمهورية والحكومة.
العامل الثاني هو العامل العربي. لا يستطيع لبنان طلب أي مساعدة عربية ما دام اهل الخليج على قناعة تامة بانّه قاعدة لـ»حزب الله». ليس لدى الحكومة الحالية ما تقنع به ايّ دولة خليجية تمتلك إمكانات مالية بانّ لبنان ليس في المحور الايراني. يكفي سماع خطاب ما لحسن نصرالله الأمين العام لـ»حزب الله» من اجل التأكد من ذلك، خصوصا عندما يضع نصب عينيه مهاجمة دولة مثل المملكة العربية السعودية لم تقدّم سوى الخير للبنان.
وارد ان تنال الحكومة ثقة مجلس النوّاب. لكنها لن تنال ثقة اللبنانيين الذين يعرفون ان بلدهم في حاجة الى حكومة من نوع آخر ومن مستوى مختلف والى أجوبة عن أسئلة منطقية يطرحها المواطن كلّ يوم.
نعم، لبنان في «مأزق»، لكن حكومة حسّان دياب لن تنتشله منه، لا لشيء سوى لانّه ليس امامها سوى الحلّ الأمني تلجأ اليه، وهو حلّ مستورد من ايران من النوع الذي تلجأ اليه ميليشيا مقتدى الصدر في العراق…