Site icon IMLebanon

دياب يتبنى اتهامات العهد ضد خصومه مستبقاً تعثّر الحكومة بعد توسّع الاعتراضات ضدها

 

 

رئيس الحكومة يُناقض نفسه بانتقاد «السياسات التي ورثناها» ويتشارك مع أقطابها باستنساخ خططها

 

 

“كيف يلائم رئيس الحكومة بين إلقاء مسؤولية الأزمات التي ورثتها حكومته وفي الوقت نفسه يتشارك مع السياسيين المسؤولين عنها بنفس السياسات؟”

 

الكلام الذي قاله رئيس الحكومة حسان دياب منذ أيام أمام وفد من تجمع رجال وسيدات الأعمال «بأننا نواجه أزمات متعددة ورثناها عن السياسات التي تمّ اعتمادها في السابق»، واوقع نفسه بمغالطات فادحة، كان بغنى عنها في بداية انطلاق مسيرة حكومته وأولها، انه قَبِل ترؤس هذه الحكومة بتأييد ودعم معظم الذين شاركوا في هذه السياسات والأزمات التي ورثتها حكومته، إن كان رئيس الجمهورية ميشال عون أو رئيس المجلس النيابي نبيه برّي وكافة حلفائهم، ودخل معهم في شراكة مكشوفة بهذه الحكومة الجديدة وبنفس التركيبة ولو بتسميات ووجوه مقنّعة. وثانياً، تبنيه والتزامه مشروع موازنة العام 2020 بالكامل، لدى مثوله منفرداً امام مجلس النواب خلال جلسة مناقشة وإقرار الموازنة، من دون ان يطلب أو يُعيد دراسة المشروع من جديد أو حتى إجراء أي تعديلات طفيفة أو جوهرية على مشروع اعدته الحكومة السابقة التي كانت تضم في مكوناتها كافة التركيبة السياسية ذاتها، بعدما تبدّلت ظروف اعدادها وسبل تمويلها وتوقعات ارتفاع نسبة العجز المقدرة فيها، وثالث هذه المغالطات وضع بيان وزاري لحكومته العتيدة مقتبس عن البيان الوزاري للحكومة السابقة بكل مفاصله الأساسية مع تعديلات انشائية وتبديلات في تبويبه ولكن النافر فيه، تبني صيغة خطة الكهرباء ذاتها التي أقرّتها الحكومة السابقة ولم تأخذ طريقها إلى التنفيذ الفعلي بسبب التعطيل المتعمد وعدم الأخذ بكل الملاحظات والاعتراضات التي ابداها العديد من الأطراف والخبراء لتعديل هذه الخطة ووضع خطة بديلة.

 

فكيف يلائم رئيس الحكومة بين إلقاء مسؤولية الأزمات المتعددة التي ورثتها حكومته عن السياسات التي تمّ اعتمادها في السابق، وفي الوقت نفسه يتشارك مع السياسيين المسؤولين عنها بنفس السياسات والخطط الموضوعة سابقاً؟

 

لعله سؤال محرج بالفعل ولن يلقى الجواب الواضح الذي يقنع العامة من النّاس ولكن الواقع لا يُمكن تجاهله مهما تمّ التلاعب بالمواقف والكلمات من هنا وهناك، لا سيما إذا انطلقنا من بداية تكليف رئيس الحكومة بمهامه تشكيل الحكومة الجديدة بتزكية ودعم معظم المسؤولين عن هذه الأزمات التي يتحدث عنها، ولا سيما رئيس الجمهورية وفريقه السياسي تحديداً و«حزب الله» وحلفائه، وهو ملزم بتنفيذ خططهم وسياساتهم، مباشرة أو مواربة ومهما كانت العبارات المبوبة أو المنمقة التي تستعمل كواجهة تمويهية لاظهار تمايزه أو اعتماده سياسات جديدة مغايرة وقد ظهر بوضوح من خلال التركيبة الحكومية التي ضمّت أزلامهم المستشارين والمقربين نيابة عن الاصيلين، وكما تبرع دياب باغداق عبارات الثناء على مطالب الحراك الشعبي وابداء التفهم الظاهري لشعاراتهم واوجاعهم، إلا انه تجاهل هذه العبارات في تركيبة حكومته وامعانه في استنساخ «السياسات والخطط» التي ينتقدها في مواقفه والتي لم تعد تتلاءم مع متطلبات والظروف المستجدة ولا تعبر عن تطلعات الحد الأدنى من مطالب الحراك الشعبي.

 

واللافت في كلام رئيس الحكومة امام تجمع رجال وسيدات الأعمال انه تبنى بالكامل المصطلحات والاتهامات التي يُكيلها الرئيس عون وفريقه السياسي وتحديداً منها إلقاء تبعات الأزمة الاقتصادية والمالية التي يتخبّط بها لبنان على السياسات التي اتبعت في السابق، ويعني بها حكومات الرئيس الحريري، الأب والابن معاً وحلفائهما ولو بشكل غير مباشر، وهي اتهامات وفبركات مزيفة، اعتمدها هذا الفريق منذ استقالة الرئيس سعد الحريري استجابة لمطالب الحراك الشعبي وبمعزل عن موافقة هذا الفريق الرئاسي وحلفائه، وذلك لنفض اياديهم والتهرب من مسؤولياتهم في كل ما يحصل من أزمات وتداعيات سلبية خطيرة، وكأن رئيس الجمهورية ميشال عون لم يكن في سدة الرئاسة منذ ثلاث سنوات ولم يطلع بمسؤولياته الرئاسية في إدارة السلطة أو ان فريقه بقيادة صهره لم يكن مشاركاً في الحكومات المتعاقبة منذ أكثر من عشر سنوات، في حين ان كل المواقف والتصرفات تكذّب وتدحض هذه الاتهامهات الملفقة وتؤكد بالوقائع والمستندات والمواقف وتسلسل الأحداث، إن كان بالتعطيل المبرمج، مخالفة للقوانين والدستور في احيان عديدة تحت شعارات التوازن والحقوق وما شابه، أو التوصيفات الخيالية لرئيس الجمهورية التي اعتمدها هذا الفريق وروجها في أوساط العامة ووسائل الإعلام بوصفه الرئيس «القوي» والهالة المصطنعة التي احاطه بها، كلها تؤكد مسؤوليته عن السياسات الفاشلة التي اعتمدها ومارسها منذ توليه مسؤولياته الدستورية وما قبلها، ولن تنفع كل محاولات التغطية عليها لاخفائها أو الصاقها بخصومه السياسيين وعلى رأسهم الرئيس سعد الحريري وتياره السياسي.

 

كان الأجدى لرئيس الحكومة حسان دياب عدم تبني اتهامات فريق عون الرئاسي بإلقاء مسؤوليات الأزمات الحاضرة على السياسات التي تمّ اعتمادها سابقاً، وهي بالتدقيق فيها، تحمل الكثير من المغالطات والارتكابات والخطايا التي تورط فيها أكثر من طرف سياسي مشارك في هذه التركيبة السياسية، ولكن يبدو ان رئيس الحكومة قد استبق أي تعثر محتمل أو فشل محتوم لحكومته بفعل توسع الاعتراضات الشعبية ضدها والانكفاء العربي عموماً والخليجي تحديداً عنها، والحذر الدولي منها وانعدام الغطاء السنّي عنها، بالتماهي مع الخطاب العوني الممجوج، بمحاولة تحميل مسؤولية التعثر في المعالجات للسياسات السابقة وللتحوط لما يُمكن ان تؤدي إليه الإجراءات والتعليمات والتوجه الرئاسي للجوء إلى أساليب قمعية واستعمال أشدّ للقبضة الأمنية والعسكرية في مواجهة محتملة مع المعترضين على وجود هذه الحكومة المقنّعة، وما يُمكن ان ينتج عنها من تداعيات خطيرة على الوطن كلّه، وهو ما يلوح في الأفق، بعدما رفض الحريري رفضاً مطلقاً هذه الخيارات قبل استقالة حكومته واثناء مرحلة تصريف الأعمال وإصراره على حماية المتظاهرين ومنع التعرّض لهم بالقوة.