على الأرجح، سيكون يوم الثقة هو آخر يوم مريح للرئيس حسّان دياب. يُقال إنّ العريس يبقى مدلَّلاً ومعفى من كل التزام إلى أن ينتهي «شهر العسل». وها إن حكومة دياب قد لبست ثياب العمل ونزلت إلى الورشة، وآن الأوان للتقويم والمحاسبة.
أزمة دياب الحقيقية ستبدأ بعد الثقة. فالجميع تَجنَّب محاسبتَه مسبقاً، حتى القوى الدولية والعربية التي لا ترتاح كثيراً إلى حكومته وتبدي استياء من الجهات التي تدعمها.
وليس مستبعداً أن تكون المشاركة المثيرة للجدل لـ«المستقبل» و«القوات» و«الاشتراكي»، في جلسة أمس، قد حظيت بتشجيعٍ القوى الدولية والعربية ذات الشأن. إذ كيف ستحاسب حكومة دياب إذا كانت في وضعية تصريف الأعمال؟ وأما اليوم، بعدما أصبحت الحكومة مكتملة المواصفات الدستورية، فإنها ستباشر عملها جدياً، ولن تضيع مزيداً من الوقت متذرعة بانتظار الثقة.
وفق المطلعين، سيبدأ المجتمع الدولي التعاطي فوراً مع حكومة دياب على أساس التزامها الوعود والبرامج التي أطلقتها. وبالتأكيد، لن تبدي القوى المعنية بالوضع اللبناني، ولا سيما منها الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، أي ليونة إزاء المسار الذي ستسلكه هذه الحكومة.
ويتردَّد أنّ مرجعيات لبنانية سمعت كلاماً مفاده: من غير المقبول إطلاقاً أن يستعيد دياب مسار الرئيس سعد الحريري. وإذا كانت ظروف الحريري قد جعلته أسير معادلة داخلية معينة، لم يستطع الخروج منها على رغم الخضّات العنيفة التي تعرَّض لها، كمثل أزمة الاستقالة في تشرين الثاني 2017، ثم انتفاضة تشرين الأول 2019، فليس منطقياً أن يتشبث دياب بالذرائع إيّاها، وهو الآتي أساساً تحت عنوان حكومة التكنوقراط والإصلاح.
لذلك، إنّ الحكم على الحكومة سيكون أكثر حزماً. ويقول المطلعون إنّ دياب يعرف جيداً هذا المناخ. وعلى رغم ذلك هو ماضٍ في مهمته. ولكنهم يسألون: كيف يجازف الرجل بالعناوين الكبيرة التي أطلقها في البيان الوزاري، وبالمُهَل الزمنية التي التزمها لتنفيذ برامج إصلاحية بالغة الأهمية، مع علمه بحجم الصعوبات التي تعترضه؟
الجواب، يقول هؤلاء، هو أنّ دياب «احتاط» للأمر بعدم إلزام نفسه بآلياتٍ لتنفيذ البرامج الموعودة، وهذا ما يريح القوى السياسية الخائفة من الإصلاح، والتي كان بعضها وراء تسمية دياب رئيساً للحكومة ومنحه الثقة. لكن هذا الأمر يثير هواجس القوى الدولية والعربية التي تترقّب الأفعال لا الأقوال، وفي أقرب وقت.
المشكلة هي أنّ القوى السياسية التي أمسكت بالسلطة طوال سنوات لا تريد من الإصلاح إلا العنوان. فهي لو رغبت في تنفيذ الإصلاحات التي طلبها المجتمع الدولي بإلحاح، من «باريس 2» إلى «سيدر» لما وصلت الأمور إلى الانهيار، ولما اضطرت هذه القوى إلى الانسحاب من واجهة السلطة والاستعانة بدياب كوجه تكنوقراطي.
ولذلك، ثمة مَن يعتقد أنّ دياب العائد حاملاً شهادة الثقة «بالبرواز»، ليعلّقها على الجدار في السراي، سيجد نفسه أمام تحدٍّ خطر: هل يمضي جدّياً مع وزرائه في الإصلاح تلبية لمطالب المجتمع الدولي؟ أم «يتواطأ» مع القوى السياسية المعروفة لإبتكار أساليب التملُّص من الضغط الدولي وضغوط الشارع الغاضب، بالمماطلة والمخادعة، أي كما تملَّصت منها الحكومة السابقة؟
فأي موقف سيتخذه دياب سيكون مكلفاً له: فإما أن يماطل فيصطدم بالمجتمع الدولي وبتشديد الحصار على لبنان ورفع مستوى العقوبات، ما يقود إلى انهيار. وإمّا أن «يجرِّب» الإصلاح فيصطدم بقوى السلطة. وفي الحالين، الاصطدام موجع للرجل والحكومة والبلد.
ولذلك، السؤال هو: عندما يبلغ الضغط الدولي والعربي ذروته، في الأسابيع المقبلة، مرفقاً بطروحات سياسية واضحة يحملها موفدون ومسؤولون أجانب وعرب، هل سيبدِّل دياب ووزراؤه من درجة «ولائهم» للقوى المحلية التي جاءت بهم؟
البعض يعتقد أنّ من المستحيل أن ينقلب دياب على الذين دعموه، لأنّهم يسيطرون تماماً على حكومته، وهم قادرون على إسقاطها في لحظة، إذا أرادوا. وفي أي حال، هم يعرفونه جيداً، وقد وافقوا على اختياره بعد دراسة وافية.
ولذلك، ستكون استراتيجية دياب وحكومته هي إمرار الوقت مجدداً، لعلّ معطيات تطرأ وتسمح بإنجاز بعض الحلول التي ترضي الجميع، علماً أنّ الوقت المتبقي للانتظار قد انتهى تماماً، بل إنّ الجميع بات متأخّراً عن استلحاق الكارثة.
والمثير هو أنّ سياسة كسب الوقت هذه هي إيّاها التي حاول الحريري اعتمادها على مدى سنوات، وهي التي قادته إلى المأزق. بل إنّه ما زال يراهن عليها اليوم، إذ يحيِّد نفسه، ويظنّ أنّه سيعود يوماً إلى السلطة «على حصان أبيض»، وبالتفاهم مع الشركاء أنفسهم، بعد أن تكون العاصفة قد مرَّت واقتلعت ما اقتلعته.
العارفون يقولون إنّ دياب، بعد الثقة، سينطلق مستسلماً لما يجري حوله، فهذا هو أقصى ما يمكنه القيام به، و«لا حَوْل ولا…». بل إنّه سيحاول أن يترك القوى النافذة، الداخلية والخارجية، تتحاور أو تتنازع في منأى عنه وعن حكومته، ثم يأتي دوره بإعلان النتائج… إذا كانت إيجابية ويقطف ما أمكن من ثمارها. فهل ينجح حيث فشل الحريري؟