من يستمع الى كلمة رئيس «حكومة الإنقاذ» حسان دياب الصادمة أمس، يصيبه الضياع وليس الإحباط فقط. والحقيقة، انّ الآراء حولها تشعبت، فالأطراف المتشائمة اعتبرتها «نعوة صباحية»، ولم تنتظر خيار دياب، الذي انهى فيها كلمته متفائلاً، وبإصراره على السير في درب الجلجلة ولو كوته نارها، لأنّ وظيفة حكومته «تخفيف اللهيب كي لا يحرق التراب بعدما حرق الاخضر واليابس».
بحسب المطلعين، بدت كلمة دياب صباحاً وكأنّه يستقيل من المسؤولية حين قالها صراحة، «انّ هذه الدولة في ظلّ واقعها الحالي غير قادرة على حماية اللبنانيين وتأمين الحياة الكريمة لهم»، فظنّ البعض أنّه سيعلن إستقالته في نهاية كلمته! فيما تساءل البعض الآخر عن التناقض الكبير بين كلام دياب وموقف عون، حين احتفلا معاً «بيوم النفط»، ليطرح السؤال: ماذا استجد ليتمايز دياب عن موقف «الرئيس» الداعم له في هذه المرحلة، والذي بشّر بأن المستقبل زاخر بطلائع الامل؟
من جهة اخرى، تساءل البعض عمّن قصد رئيس الحكومة «بآليات الدولة التي ما زالت مكبّلة بقيود الطائفية الصدئة، وجنازير الفساد المحكمة وأثقال الحسابات الفئوية المتعددة وانعدام الرؤية»! بخاصة، انّ الممسكين بالجنازير وبزمام القرار، هم من أوصلوه الى سدّة الحكومة! وهنا يطرح السؤال، الى من توجّه دياب برسائله للخصوم ام للحلفاء؟
المطلعون بخفايا الامور يقولون، انّ دياب لا يستطيع عدم مجاراة الحزب، وانّ «الخيارات الصعبة» التي سيكشف عنها لاحقاً ليست في يده. فيما يبدو انّ دياب لم يخبئ برنامجاً سياسياً أو خطة إنقاذية، بل ينتظر «الفرامانات» التصعيدية التي بدأت وتيرتها تتصاعد فور وصول وفد ممثلي صندوق النقد الدولي. والسؤال الأهم، ماذا قصد دياب بتلك الخيارات الصعبة؟
برأي مصدر حكومي سابق، هي الدولة البوليسية القادمة، مفنداً كلمة دياب الى ثلاثة اجزاء، الجزء الاول اعتبره اعلان افلاس، والجزء الثاني وصفه بالمكابرة، وكأن دياب يغامر بمهمة الانقاذ، بالرغم من الحصار الداخلي والابواب الخارجية الموصدة جميعها في وجهه.
وتكشف المصادر نفسها، انّ دياب لا يملك خيارًا بالنسبة لمصير «اليوروبوند»، لأنّ الدولة اللبنانية بكل بساطة غير قادرة على الدفع. لذلك هو يدور في حلقة مفرغة محاولًا ايجاد منفذ كي لا يتمّ الحجز على اصول الدولة في اي لحظة.
أمّا بالنسبة لوفد الصندوق الدولي، فتؤكّد المصادر نفسها، انّ دياب سيتمكن من قول لا لصندوق النقد الدولي، لكنه لن يستطيع قولها لحزب الله. ويجب عدم المراهنة على هذه المعادلة.
في المقابل، تشير مصادر سياسية مطلعة، أنّ لهذه السلطة وجهتي نظر: الاولى عبّر عنها الرئيس عون قائلاً، بأنّ الفرج قريب، و»عليكم ان لا تخافوا النفط معنا» ونحن ذاهبون الى ايام افضل. وفي المقابل، يطلّ دياب من النافذة الاخرى للقول، إنّ الايام سوداوية.
هذا الانقسام يؤشر الى إرباك عميق بين اهل السلطة الذين يدّعون بأنّهم يحكمون لبنان، بينما الحاكم الحقيقي يقول كلمته في وضوح كامل، ليس من باب التفاؤل ولا التشاؤم بل من باب الواقعية، «لا نريد ان نتعامل مع صندوق النقد الدولي، اي لا نريد ان نتعامل مع الشرعية الدولية». اي انّ الحاكم الفعلي اربك حسان دياب، فيما العهد إحتمى بالهروب نحو الاستحقاق النفطي مفترضًا انّ الامور بيضاوية، مفضلاً انكار الواقع.
وتؤكّد المصادر نفسها، انّ الاستحقاق الداهم، يتعلق بمدى علاقة لبنان بالشرعية الدولية، وانّ «حزب الله» يضع عراقيل امام حكومة لبنان والدولة اللبنانية من اجل منع التكامل بينها وبين الشرعية الدولية. وهي ليست المرة الاولى، فمنذ 2005 واجه لبنان مشاكل مفصلية، من اغتيال سياسي، الى قرار السلم والحرب مع اسرائيل، وحاضراً يواجه لبنان الازمة الاقتصادية.
وتوضح: «في الاغتيال السياسي، قلنا محكمة دولية فيما هم قالوا لا للتعامل مع الشرعية الدولية، اليوم نقول لا خلاص مالياً اقتصادياً الّا بالتكامل مع صندوق النقد، لكنهم يصرّون «لا لصندوق النقد»، وبعد الانهيار الاقتصادي المحتّم في لبنان سيقول ربما الحزب «لو كنت اعلم!»، ويعاود بعدها التعامل مع صندوق النقد كما تعامل مع المحكمة الدولية ومع القرار 1701.
أزمة ثقة
في المقابل، تلفت المصادر انّ دياب توجّه بكلمته بلغة حملت وجهين، بخاصة انّه مجبر على التعامل مع صندوق النقد لضمان عملية جدولة الدين.
وإذا اعتبرنا كلامه باتجاه عدم «حرق التراب بعدما احترق الاخضر واليابس»، انه لا يريد مواجهة «حزب الله»، فهذا يعني انّه اختار أزمة الثقة بينه وبين العالم، اي الخراب. اما اذا احترم توقيعه ودفع لبنان ديونه، فيعني أنّه ذهب بالبلد الى مواجهة مع «حزب الله».
بالمختصر، محضر دياب المربك اعلن للبنانيين اضطراره مكرهاً الى «الخيار الاصعب، وطريق الجلجلة، اي تنفيذ ما يريده «حزب الله»، لأنّ «الخيارات الاخرى» بحسب «رئيس حكومة الإنقاذ «هي اخطر بكثير».