يفتش الذين يقرأون كلام رئيس الحكومة حسان دياب عن “الأوركسترا” التي يتهمها تارة بالتحريض على لبنان في الخارج لحجب المساعدات عنه، وأخرى “بالتزوير واجتزاء الحقائق للتشويه والتحريض”، كما حصل أول من أمس في تغريدة له، عمن يقصد ومن هي الجهات التي يوجه إليها هذه الاتهامات.
وإذا كان الكلام الأول عن “الأوركسترا” جاء في بيان معد سلفاً، خلال جلسة مجلس الوزراء في 25 شباط الماضي، فإنه لم يشر إلى هوية “المحرضين” فاعتمد قاعدة تجهيل الفاعل.
حين سئل محيطون برئيس الحكومة عمن يقصد بهذا الكلام إكتفى بعضهم بالقول إنه بات واجباً أن يقوله دياب ضد أركان الطبقة التي تولت الأمور في العقود الماضية، فيما رأى البعض الآخر أنه لا يقصد “تيار المستقبل” الذي ردت كتلته النيابية على كلام سابق لدياب عن “تركة الثلاثين سنة الماضية”، رافضة انضمامه إلى حملات التحريض على الحريرية السياسية. بل إن بعض محيط دياب حرص على نفي أن يكون ما قاله استهدف الرئيس سعد الحريري “لأن الأخير دعا إلى إعطاء الحكومة فرصة ولا مشكلة بينه وبين رئيس الحكومة”. ردّ المقربون بيانه إلى الحملة ضده على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تناولته شخصياً لتعيينه زوجته نائبة لرئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة… إلا أن معارضيه رأوا أن التناقض بين هذا التفسير وبين مضمون ما تقصّد قوله في القصر الرئاسي بالتحديد، خلال اجتماع مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في وقت كان الرئيس الحريري في زيارة إلى أبو ظبي، لم يأت صدفة. هم يرون أن دياب استجاب لتحريض الفريق المحيط برئيس الجمهورية، الذي حسم خياره في الخصومة مع الحريرية السياسية نتيجة الخلاف مع رئيس الحكومة السابق حول طريقة التعاطي مع ثورة 17 تشرين الأول، ما أدى إلى استقالته، ثم إلى اتهام الحريري “رئيس الظل” جبران باسيل بإفشال المعالجات الحكومية للأزمة الاقتصادية والمالية… يرى منتقدو اندفاعة دياب أن فريق الرئاسة يحتاج إلى من يشاركه الرد على موقف الحريري ضد رئيس “التيار الوطني الحر”. ولأنه يعتبر دياب مديناً له دخوله نادي رؤساء الحكومات، عليه أن يساهم معه في تلك الحملة، من موقعه السني. والأخير كلاعب “سولو”، اضطر للانسجام مع لعبة “المايسترو” الذي يتصرف على أنه قابض على التركيبة الحكومية.
صحت هذه القراءة أم لا، فإن تغريدة أول من أمس التي كرر فيها دياب الإشارة إلى “الأوركسترا”، جاءت تعليقاً على ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي، ضد خطابه أمام السلك القنصلي قبل ظهر اليوم نفسه، والذي نعى فيه الدولة، معلناً عجزها. فالتعليقات على “تويتر” و”فيسبوك” حملت على إعلانه خراب البصرة، معتبرة أنه يستبق عجز حكومته. وبعضها دعاه إلى الاستقالة، خصوصاً أن قوله الأسبوع الماضي “نحن مستمرون بمهمتنا التي نعتبرها مقدّسة”، يعاكس ذلك الخطاب.
مع أن دياب يردّد بأنه لم يأتِ “للعمل في السياسة ولا نريد منافسة أحد بالزعامة والنيابة”، فإنه لم يفطن إلى أن دخوله حلبة السجالات ولو بالإيحاءات الغامضة، مناقض لذلك، واستمرار لتجاذبات ما قبل الانتفاضة، في وقت مهمته كتكنوقراط أن يزف للبنانيين الحلول العاجلة لأزمتهم الخانقة لأنهم سئموا المناكفات.