Site icon IMLebanon

دياب «يتمسكن ليتمكن»..

 

 

لا مصلحة لأحد في انهيار لبنان، في المدى القصير سيمرّ في مرحلة صعبة. اما في المديين المتوسط والبعيد، فسيعود الى حيويته وازدهاره. وعلى ما يقول سياسي مخضرم «انّ لبنان كان ولا يزال حاجة دولية واقليمية، ولا احد يريد له ان «يفرط».

ليست مزحة انّ الاميركي خائف من وقوع لبنان في القبضة الروسية ـ الصينية ـ الايرانية، فهو يدرك انّ هذا الثالوث يمكنه ان يعالج مشكلات لبنان. ولذلك، فإنّ واشنطن حريصة على انّ لا يفلت لبنان من يدها إن هي ظلت تعاند وتفرض العقوبات يميناً وشمالاً، سواء ضد «حزب الله» او بيئته وحلفائه، وهي عقوبات ثبت في رأي كثيرين انّها اضرّت باقتصاد لبنان وماليته كثيراً، اكثر مما اضرّت بالحزب.

 

ويدرك الاميركي، حسب السياسي المخضرم، أنّ مشكلات لبنان سهلة الحل، في حال تلقّى الدعم الروسي والصيني والايراني، وكل الدول التي تدور في فلك هذا الثالوث. ذلك أنّ محافظة عراقية واحدة فقط كفيلة بأن تستهلك كل إنتاج لبنان، وخصوصاً الزراعي منه، وهو امر معروف تاريخياً لدى القاصي والداني.

 

ولذلك، يؤكّد هذا السياسي، انّ الجميع، (اي العواصم الكبرى الاقليمية والدولية)، متفقون على تعويم لبنان، ولكن ذلك لا يمنع من بقاء بعض «النكوزة» تحت الطاولات. ففي الإدارة الاميركية، المقتنعة رغم كل شيء بضرورة بقاء لبنان وحيويته، هناك البعض فيها لا يؤيّد هذا الاقتناع، ولكنه لا يستطيع ان يلغيه، وربما يكون هناك غير مقتنعين آخرين في إدارات دول اخرى، ولكن ايضاً لا يمكنهم تغيير اقتناع هذه الإدارات بلبنان الضرورة.

 

ما يحتاجه لبنان، يقول السياسي نفسه، هو قليل من الصبر ليخرج من ازمته الاقتصادية والمالية، طالما انّه كان ولا يزال يشكّل حاجة اقليمية ودولية. فالاقتصاد السوري اهتزّ نتيجة الأزمة التي يعيشها، حيث انّ كل التجار السوريين تعثروا نتيجة تعثر المصارف اللبنانية، التي تشكّل معبرهم الإلزامي في كل مشاريعهم واستثماراتهم داخل سوريا وخارجها، وقد تأثروا سلباً بما يصيب لبنان حالياً على الصعيدين المالي والاقتصادي.

 

ويروي السياسي المخضرم، للدلالة على حيوية لبنان وضرورته بالنسبة الى العواصم الاقليمية والدولية، انّه قال يوماً لنائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، انّه يخشى على لبنان من الضياع في ظل الوجود العسكري السوري، مثلما ضاعت فلسطين عام 1948 في وجود القوى العسكرية العربية. فردّ خدام عليه قائلاً: «لا تخف على لبنان لن ينهار او يضيع، وانّ النظام اللبناني هو اقوى من انظمتنا جميعاً».

 

ولذلك، فإنّ لبنان يشكّل دوماً حاجة دولية وحاجة اقليمية في آن معاً، ولا احد يريد له ان ينهار، فهو على المدى القصير سيمرّ ببعض الصعوبات، أما على المدى المتوسط فسينهض، لأنّ جزءاً كبيراً من عائداته هي من الخارج وهي عائدات اللبنانيين المغتربين والعاملين في الخارج، ولا يمكن هذه العائدات ان تتوقف او تنضب مهما كانت الظروف الداخلية، لضرورتها بالنسبة الى الاقتصاد اللبناني او بالنسبة الى اللبنانيين أهالي هؤلاء المغتربين، او بالنسبة الى أشغالهم ومشاريعهم في لبنان.

 

ويقرأ السياسي المخضرم ايّاه الخطاب الأخير لرئيس الحكومة حسان دياب، على انّه شكّل خطوة دياب الاولى في اتجاه ترسيخ نفسه رئيساً لمجلس الوزراء، بحيث أنّه انتقل به من مستوى «رئيس مطعون بقدراته» الى «رئيس صاحب قرار». ويقول: «انّ هذا الخطاب كان جيداً، بدليل انّ ردود الفعل السلبية عليه جاءت محدودة، والسبب انّ رئيس الحكومة سعد الحريري يمرّ في اوضاع صعبة ولا يمكنه خوض اي مواجهات سياسية خارج اهتماماته المنصّبة في هذه المرحلة على ترتيب بيته الداخلي السياسي و»المستقبلي»، حيث انّه يحضّر لعقد المؤتمر العام لتيار «المستقبل» في وقت ليس ببعيد. علماً انّ البعض يقول انّه ما كان لدياب ان يكلّف تأليف الحكومة لولا موافقة الحريري الضمنية عليه. ومن الاسباب ايضاً انّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لم يعلّق سلباً على خطاب دياب، لأنّه لا يريد ان تضطرب علاقته بـ «حزب الله»، في الوقت الذي يتحدث البعض عن انّ رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع «مرتبك» في علاقاته الاقليمية، وانّه «يشعر بشيء من عدم الاهتمام لدى بعض حلفائه الاقليميين، الذين تتركز اهتماماتهم في هذه المرحلة على الأزمات الاقليمية وليس على الأزمة اللبنانية، وربما هذا ما يفسّر إرباك بعض القوى الأخرى الحليفة لهم في لبنان».

 

البعض يعتقد انّ دياب الذي كسر بتكليفه انحصار تولّي رئاسة الحكومة بنادي رؤساء الحكومة السابقين، سيجهد لكي ينجح، محاولاً تكريس تجربة الرئيس سليم الحص. فهو قد لا يكون في رأي البعض في مستوى شفافية الحص، لكنه يتصرّف على اساس انّه «أعند منه». ويضيف هذا البعض: «الجميع يعرف انّ الوضع الاقتصادي والاجتماعي والمالي في لبنان هو في اسوأ حالاته، لكن دياب ربما يكون أحسن التصرّف أفضل من بعض الذين سبقوه، حيث أنّه يطرح الاشياء كما هي من دون ان يطرح ملفات الآخرين ويخافون من يفتحها. لكن الرجل يبدو انّه يخطط لهذا الامر بعد إتمام العدّة اللازمة لذلك. فهو في رأيهم «يتمسكن ليتمكّن» (بالمعنى السياسي)، وربما يكون قد اتخذ بقرار تعليق دفع «اليوروبوند» خطوة شجاعة، لكن الايام ستثبت ما اذا كانت هذه الخطوة شجاعة أم لا.

 

وفي رأي السياسي المخضرم، «انّ الحريري بخروجه من رئاسة الحكومة ربما يكون ارتكب «غلطة العمر»، لأنّه اعتقد او ظنّ أنّ الاوضاع في المنطقة سائرة في اتجاه يعاكس مصالح «حزب الله» وحليفيه رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث ثبت بالدليل القاطع انّ وضع هذا الحلف قوي بالمعنى الاقليمي، وبالتالي فإنّ الاوضاع في المنطقة لمصلحته، في حين انّ المراهنين على المحور الاميركي لم يدركوا بعد انّ الولايات المتحدة الاميركية ليست في احسن حالاتها هي وحليفتها اسرائيل، التي تعيش ازمة سياسية تجعلها غير قادرة على شنّ اي حروب سواء ضد «حزب الله» في لبنان او ضد السوريين والإيرانيين، حيث انّ المعلومات تشير، انّ الجانب الايراني يعمل بجدّية لتغيير قواعد الاشتباك القائمة بينه وبين اسرائيل في سوريا، وهذه القواعد ستظهر قريباً بعد ان يكون الإيرانيون قد أعدّوا العدّة لهذا الامر عسكرياً على الاراضي السورية وخارجها. ويظن البعض في هذا المجال، انّ الايراني يلعب اللعبة نفسها التي كان لعبها الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد مع الاسرائيليين عام 1973 وقبيل اشهر من حرب تشرين من ذلك العام، حيث انّه في تلك الحرب فاجأ اسرائيل بصواريخ «السام 7» التي أسقطت الطائرات الاسرائيلية في حرب تشرين بنحو شكّل مفاجأة عسكرية كبيرة لاسرائيل».

 

شيء آخر يتحدث عنه السياسي المخضرم، للدلالة اكثر فأكثر على عدم المصلحة الاميركية في انهيار لبنان، وهو أنّ واشنطن تعرف أنّ الخيارات بالنسبة الى لبنان في مواجهة الضغوط الاميركية ليست بسيطة، ولكنها بمجرد ان سمعت بكلام عن لجوء لبناني مُفترض للاستعانة بالدعم الصيني والروسي والإيراني، سارعت الى مراجعة حساباتها، لخوفها من خروج لبنان من يديها. ويعطي مثالاً آخر على التغيير في الخيارات الاميركية، وهو ما حصل بين واشنطن والرياض عندما لوّحت الأخيرة عبر مقال لأحد الصحافيين الاصدقاء للمملكة العربية السعودية، تحدث فيه عن سيناريو بديل لديها يقضي بالاعتماد على روسيا والصين وتحسين العلاقة مع ايران، فشعر الرئيس الاميركي دونالد ترامب يومها بأنّ السعودية ربما تكون جادّة في خيارها هذا، خصوصاً بعدما شاهد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحوط الوفد السعودي باهتمام شديد خلال قمة العشرين في البرازيل قبل سنتين، فصارح عندها ادارته بأنّه لا يستطيع خسارة المملكة كحليف للولايات المتحدة، وانّ المطلوب تعزيز العلاقات معها رغم اعتراضات بعض اركان ادارته، وهذا ما هو ملحوظ منذ ذلك التاريخ الى الآن.

 

ولذلك، فإنّ رحلة الضغوط الاميركية لن تطول، حسب رأي هذا السياسي، وان لا مصلحة فعلية لواشنطن بسقوط لبنان او ذهابه الى خيارات أخرى، وان كان بعض المطلعين على الموقف الاميركي يتحدث حالياً عن أنّ وتيرة العقوبات الاميركية على «حزب الله» وحلفائه اللبنانيين وفي الاقليم ستتصاعد خلال الاسابيع القليلة المقبلة.