مع قرب انتهاء مهلة المئة يوم، لا يمكن القول إن أداء «حكومة الإنقاذ» ارتقى إلى مستوى التحديات التي تواجهها، ولم تستطع التغلب على الصعوبات والمعوقات التي تُزنّر الأوضاع الاقتصادية والمالية المتداعية، وما زالت الحكومة في موقع التقاذف بين القوى السياسية والحزبية، التي تتألف منها، بعد التباعد الحاصل بين «حركة أمل» و«حزب الله» من جهة، و«التيار الوطني الحر» من جهة ثانية، خاصة إثر اهتزاز التحالف بين الحزب والتيار في الفترة الأخيرة، بسبب «شطحات» رئيس التيار جبران باسيل، والتي كان آخرها في ملف العميل عامر فاخوري.
ولا بد من الاعتراف بأن الجهود المضنية التي يبذلها رئيس الحكومة حسان دياب، لم تحقق الأهداف المرجوة منها، لأنها تضيع على مذبح الخلافات السياسية بين أطراف الفريق الواحد في الحكومة، والتي غالباً ما أدّت إلى إجهاض أكثر من إنجاز، قبل وصوله إلى نتائجه النهائية، والأمثلة على ذلك كثيرة، ويمكن الاستشهاد ببعضها على سبيل المثال لا الحصر: تعيينات نواب الحاكم في البنك المركزي وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف، اختيار أعضاء مجلس إدارة كهرباء لبنان، وتطيير مشروع قانون الكابيتال كونترول الأسبوع الماضي، فضلاً عن الملابسات والضغوطات التي أحاطت بمسألة إعادة اللبنانيين من الخارج.
ولم يعد سراً أن ثمة تنافس بين الحركة والتيار للهيمنة على مقدرات الأداء الحكومي، والتوجهات الحكومية العامة، في ظل غياب مشروع إنقاذي واضح المعالم ومحدد الأهداف، وفي إطار تعزيز النفوذ على ما تبقى من قدرات الدولة، والتسابق على صياغة المخارج المناسبة للأزمات المتفاقمة التي يرزح تحت أثقالها البلد، بدءاً من مشكلة التخلف عن الدفع في استحقاق اليوروبوند، واستبعاد العلاقة مع صندوق النقد الدولي، وصولاً إلى تشكيل الفريق الجديد لإدارة الملفات المالية والنقدية والمصرفية، في البنك المركزي ووزارتي المالية والاقتصاد.
وفيما لا يُعارض الثنائي الشيعي التجديد لنواب الحاكم المنتهية ولايتهم، وإبقاء الوضع في لجنة الرقابة على المصارف على ما كان عليه في اللجنة التي انتهت ولايتها هذا الشهر، يسعى التيار الحر إلى تغيير شامل في هذه المناصب، ليحصل على الحصة المسيحية كاملة في تعيينات المركزي، حيث لا وجود لجماعته حالياً، لا بين نواب الحاكم، ولا في لجنة الرقابة. وكان لافتاً أن يسارع وزراء التيار إلى ترشيح رئيسة مصلحة شركات التأمين في وزارة الاقتصاد لرئاسة لجنة الرقابة على المصارف، رغم أن زوجها يشغل منصب رئيس مجلس إدارة أحد البنوك المقرّبة للتيار، وهو أمر يتنافى مع مبادئ ونصوص قانون النقد والتسليف!
وما يُقال عن التعيينات في المركزي، يمكن قول مثله وأكثر في الخلافات التي تُعطل تعيين مجلس إدارة الكهرباء، والهيئة الناظمة لهذا القطاع، حيث يصرّ رئيس التيار الوطني على عدم السير بالخطوات الضرورية والعاجلة لإنقاذ هذا القطاع الحيوي، وتلبية شروط المانحين في تعيين مجلس الإدارة والهيئة الناظمة، قبل الأخذ بالتعديلات التي اقترحها على صلاحيات الهيئة الناظمة، التي تعطل فعاليتها التنفيذية والرقابية، وتضعها تحت هيمنة وزير الطاقة، على عكس ما هو الهدف من إنشاء هذه الهيئة أساساً، والمقررة منذ مؤتمر باريس-٢، عام ٢٠٠٢!
هذا غيض من فيض، يرسم حجم التداعي في الوضع الحكومي، والصراعات التي تُعطل مساعي الإنقاذ الصعب، الذي تعهد به رئيس الحكومة منذ تكليفه، وعاد إلى تكراره وتأكيده بعد نيله الثقة، ولكن يبدو أن الرجل الغريب عن الوسط السياسي، والقادم من المحيط الأكاديمي، فوجئ بأن طريق التحالفات ليست معبدة دائماً بالورود، وغالباً ما تدركها الألغام قبل مواسم القطاف، كما أن مصالح البلاد والعباد ليست دائماً هي المقياس لدى أهل السياسة، الذين يُغلبون دائماً وقفات الولاء والاستزلام على معايير الكفاءة والنزاهة والاختصاص في إدارات الدولة.
هل ستبقى الحكومة أسيرة الواقع السياسي المأزوم؟
وهل يبقى رئيسها صامتاً على العرقلة والمعاناة، أم هو بانتظار الوقت المناسب لبقّ البحصة؟