IMLebanon

دياب يوقف أيضاً تسديد «ديونه»!

 

نجت الحكومة، اقلّه مرحلياً، من «عبوة» التعيينات المالية التي كاد انفجارها يهدّد بانهيار الجسم الوزاري او ببتره. لكن ذلك لم يحجب دخان القنبلة السياسية التي أطلقها الرئيس حسان دياب، في معرض مهاجمته المحاصصة ورماة الحجارة على الحكومة.

 

من اللحظة الأولى لولادة حكومة التكنوقراط او الاختصاصيين، بغطاء من فريق الأكثرية النيابية الذي منحها الثقة، بدا واضحاً انّ دياب سيكون أمام مهمة صعبة و»مستدامة»، وهي التوفيق بين نزعته من جهة نحو تثبيت قواعد «الحكم الذاتي» للحكومة، وتأكيد وقوفها على مسافة من القوى السياسية والحزبية، وبين معرفته من جهة أخرى بأنّ «اكسير الحياة» الذي منحه فريق الأكثرية لهذه الحكومة انما يرتب عليها فواتير وديوناً، ليس سهلاً التهرّب من تسديد دفعاتها.

 

وإذا كان دياب قد خاض مغامرة الإمتناع عن دفع سندات «اليوروبوند» المستحقة على لبنان، فهو اوحى عبر سحب بند التعيينات من جدول أعمال مجلس الوزراء بأنّه قرّر أيضاً، وحتى اشعار آخر، وقف تسديد «القروض السياسية» المستحقة عليه، ولاسيما انّ هناك من يلفت الى انّ الملابسات التي رافقت طرح مشروع «الكابيتال كونترول» ثم سحبه من التداول، الحقت الضرر بصورة الحكومة التي لم تكن لتتحمّل انتكاسة جديدة.

 

لكن دياب، الذي حاول من خلال موقفه امس، استعادة زمام المبادرة والإمساك مجدداً بخيوط الحكومة، بعدما كاد بعضها يفلت منه، يدرك في الوقت نفسه انّ الأحزاب لا تزال وازنة ومتحكّمة الى حد كبير بتوازنات اللعبة الداخلية، وانّها استطاعت ان تستعيد جانباً اساسياً من قوتها وحضورها بعد ضمور الحراك عقب انتشار فيروس «كورونا»، وبالتالي ليس في مقدوره تجاهل نفوذها في الدولة العميقة والعائمة، وإن يكن يسعى إلى عدم الاستسلام له.

 

َودياب، المنتفض على المحاصصة والمنزعج من مفاعيل عوارضها الجانبية، وجد في سحب بند التعيينات فرصة لإيصال رسالته الاحتجاجية والاعتراضية، معتمداً الردّ المدروس والمحسوب على محاولة إحراجه، وهو الذي يعلم أنّ موازين القوى داخل مجلس الوزراء وخارجه، لا تسمح له في اللحظة الراهنة بأن يفعل اكثر من ذلك.

 

انّها لعبة حافة الهاوية التي وجد دياب نفسه مضطراً الى احترافها وامتلاك ادواتها، مازجاً بين «رشاقة» لاعب السيرك و»عضلات» رافع الأثقال، لحصر خسائره وتحسين مواقعه قدر الإمكان، فوق حلبة سياسية تضمّ ملاكمين من الوزن الثقيل ولا ترحم الهواية.

 

وقد تمكن دياب من أن يصيب بحجر ترحيل ملف التعيينات، عصافير عدة في آن واحد، إذ انّه نفّذ انقلاباً ناعماً على مسعى تكبيله، وانقذ حكومته، بعدما اطفأ فتيل استقالة الوزيرين المحسوبين على تيار المردة، وتحرّر من أسماء لم يكن متحمساً لتوليها بعض المراكز المالية، وقلّل منسوب التحريض عليه في البيئة السنّية، بذريعة تغطيته المحاصصة ومسايرته التيار الوطني الحر، ولاسيما انّ البيان الاخير لرؤساء الحكومات السابقين عزف على هذا الوتر.

 

ويعتبر القريبون من دياب، انّ موقفه في مجلس الوزراء البارحة، إنما يعكس رفضه التام الخضوع الى بازار المحاصصة في التعيينات، لافتة الى انّ قبوله بإحياء هذا التقليد النافر في التعيينات، سيعني نسف مبرّر تشكيل حكومة التكنوقراط وفلسفة وجودها.

 

ويشير هؤلاء، انّ دياب لم يقبل اساساً بتحمّل المسؤولية ليستكمل النهج السابق المستند إلى المحاصصة والمحسوبيات، بل هو أراد من خلال موافقته على ترؤس الحكومة ان يقدّم نموذجاً مختلفاً وسلوكاً مغايراً في السلطة، «وبالتأكيد ليس وارداً لديه ان يكون رئيس حكومة التمديد للأنماط السابقة التي كانت معتمدة في مقاربة التعيينات، بعيداً من معيار الكفاءة الذي يجب أن يكون أداة القياس الوحيدة في الاختيار».

 

ويشدّد القريبون من دياب، على أنه ليس طرفاً في لعبة المحاصصة، ومن باب أولى انّه لم يأتِ الى الحكم حتى يحقق مصالح الآخرين ويمنحهم منافع على حساب قناعاته، جازمة بأنّه غير مستعد للتفريط بثوابته حتى لو كان الثمن في نهاية المطاف احتمال فرط الحكومة.

 

وتنبّه الاوساط المحيطة بدياب، الى من يستعجل التخلّص من الحكومة ربطاً بحساباته الخاصة، سيكون عليه أن يتحمّل تبعات هذه المجازفة المدمّرة وآثارها الوخيمة على الوضع العام، خصوصاً انّ الكل يعرف انّ التحدّيات الضخمة التي تواجه لبنان على كل الاصعدة حالياً، لا تفسح المجال امام ترف الخوض في تغيير حكومي سيؤدي إلى فراغ، باهظ الكلفة، في انتظار التوافق الصعب على البديل.