لم تستوعب الساحة السياسية بعد الأسباب الكاملة التي دفعت برئيس الحكومة حسان دياب امس الأول الى رفع «البطاقة الحمراء» في وجه شركائه في الحكم والحكومة. في وقت بدأ البحث عن الظروف التي دفعته الى خوض هذه المواجهة وما يمكن ان تؤدي به، وسط تساؤلات عما إذا كانت مبكرة، وفي حال العكس فما الذي يمكن ان تقود إليه في ما بعد؟
إنّ التوقف عند كلمة رئيس الحكومة حسان دياب امام جلسة مجلس الوزراء الخميس الماضي في شكلها ومضمونها وتوقيتها يقود الى قراءة كثير من الرسائل التي يمكن رصدها، والتي توجّه بها الى اكثر من طرف من شركائه من اهل الحكم والحكومة كما بالنسبة الى المعارضة. وإن حملت جديداً، فهي بالتأكيد تلك التي توجّهَ بها الى حلفائه الذين قادوا معركتي التكليف والتأليف اللتين أدّتا الى ولادتها قبل 72 يوماً (21 كانون الثاني 2020) بعدما باتت رسائله الى اهل المعارضة بالنسبة اليه والى عدد من وزرائه هاجساً شبه يومي يخاطبونهم من دون ان يسمّوا احداً منهم كـ «الأشباح» صبحاً ومساء وفي كل مناسبة، مذكّراً إياهم بما ورثه من سياساتهم، ومعبّراً بالإنابة عنهم عن مخاوفهم في قدرته على تجاوز المرحلة الصعبة وكشف عوراتهم رافعاً عنه مبكراً مسؤولية النجاح او الفشل.
وعليه، فقد سعى المراقبون الى اكتشاف ما يمكن تسميته «الإنتفاضة» المفاجئة لدياب تجاه التعبير عن رفضه للممارسات التي قادت الحكومة الى حيث وصلت اليه اليوم بالنسبة الى بعض الملفات الكبرى. فقبل بلوغ مهلة المئة يوم التي طلبها دياب عند تشكيل حكومته لتقديم خططه الانقاذية استجَدّت أزمة وباء كورونا فتقدمت الاولويات الأخرى وزادت من ثقل الأعباء التي ترزح تحتها الحكومة، قبل ان تحقق اي خطوة ايجابية في الملفات النقدية والإقتصادية التي واكبت ولادتها عدا عن تلك التي فرضتها عليه الانتفاضة الشعبية وكل ما تلاها من مواقف وأحداث قادته الى السراي الحكومي.
ولذلك، توقف المراقبون امام بعض الرسائل التي وجّهها دياب الى حلفائه وشركائه في الحكومة، فلفتوا بداية الى انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي تبلّغ منه في اللقاء الثنائي بينهما قبَيل جلسة مجلس الوزراء الأخيرة موقفه من ملف التعيينات في مصرف لبنان المركزي والمؤسسات المالية الأخرى – من دون إطلاعه على مضمون كلمته المكتوبة التي أعدّت قبل ليلة – أبلغه انه «يَتفهّم بعض الملاحظات التي لديه، ولم يُثنه عن موقفه ان رأى انه يلجم ما يجري وتحمي وحدة حكومته والحد الأدنى من التضامن الحكومي المطلوب في هذه المرحلة». كان ذلك بعدما تبلّغ عون ودياب قبَيل موعد الجلسة بغياب وزيري تيار «المردة « عنها، فثبتت المعلومات الأولية التي كانت لديهما قبل ساعات. فموقف سليمان فرنجية كان قاطعاً وواضحاً ولم يخفه حتى ربع الساعة الأخيرة من الجلسة بعد فشل الوساطات الجارية وعدم تلبية مطالبه المحددة.
ولذلك لم يقبل المراقبون – ومعهم قريبون من دياب – القول انّ موقفه يشكّل رداً مباشراً على مواقف فرنجية – وهو الذي شكره أمس على مواقفه – فحسب، بل انّ الأمر متصل بأبعد من ذلك وهو موجّه الى من يَتّكِل عليهم فرنجية في موقفه التصعيدي ليضعه في موقف «شبه متكافىء» مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل الذي رفض مطالبه على اساس انها لا تساوي حجمه ولا تشكّل حقاً كاملاً له، وانّ حصوله على مقعد واحد من سلة التعيينات المصرفية كاف وواف.
ويضيف هؤلاء: «لقد احتسبها دياب جيداً قبل ايام ولأسباب اخرى، فالموقف الذي حمله بيان رؤساء الحكومات السابقين الثلاثة وموقف تيار «المستقبل» منفصلاً من ملف التعيينات المصرفية تقدّم في رأيه على ملاحظات فرنجية ومن يدعمه. فالاتصالات التي اجراها قريبون واصدقاء مشتركون لدياب والحريري عند بدء النقاش حول هذه التعيينات للوقوف على خاطر «المستقبل» ورئيسه لم تأت بجواب شاف، لا بل وصفت الأجوبة بالسلبية. فقد تبلغ رئيس الحكومة النية بالتصعيد وصولاً الى استقالة الحريري ونوابه من المجلس النيابي، وربما لاقته كتل أخرى. فيكون قد تسبّب بشرخ كبير في السلطتين التشريعية والتنفيذية اذا ما التقت الخطوتان النيابية والحكومية معاً.
والى هذه الاسباب ثمة دعوة الى التمعّن في أخرى، فمن الخطأ تجاهل الضربات التي تلقتها حكومة دياب من «الثنائي الشيعي»، سواء بالنسبة الى علاقاته الخارجية المتعثرة وصولاً الى الملفات الداخلية ومنها تجميد السعي الى قانون «الكابيتال كونترول» وقضية استعادة المغتربين الى لبنان وما حملته من هموم وبائية ومالية وسياسية إضافية كان يمكن تفاديها في رأيه قبل ان ينقلب موقفه نتيجة تهديدات رئيس مجلس النواب نبيه بري بالانسحاب من الحكومة. فكل هذه المحطات، يعتقد قريبون من دياب أنها وضعت حكومته على لائحة حكومات «حزب الله» شاء من شاء وأبى من أبى. وقادَته الى عين العاصفة اكثر من مرة في الفترة التي تلت تشكيل الحكومة، وبات يتحمّل أوزار النزاع الأميركي – الإيراني الذي لم يرده يوماً منذ ان قبل مهمة التكليف والتأليف. مع اعترافه بفشله في إقناع «حزب الله» بتعديل مواقفه السياسية ووقف الحملات الإعلامية التي يخوضها ضد دول الخليج، والتي أدت الى اقفال كل الأبواب التي طرقها موفدون له الى الرياض وغيرها من عواصم الخليج العربي.
ما هو مُلحّ في رأي المراقبين هو التفكير في الخطوات التي ستلي موقف دياب الأخير، والتي تطرح اكثر من سؤال ومنها على سبيل المثال لا الحصر: ما الذي يضمن له القدرة على المضي بهذه التوجهات الإدارية والسياسية، وهل سيستطيع تحويلها الى ثوابت حكومية ملزمة لشركائه؟ وهل سيكون مجلس النواب متجاوباً لوضع قانون جديد يحكم آلية التعيينات؟ وهل في إمكانه اعتماد المقاييس عينها ان طرحت سلة التعيينات الأخرى في اي وقت؟ واذا صمت شركاءه حتى كتابة هذه السطور هل سيبقى الجميع متضامنين معه؟ وما سيكون مردود مواقفه على الساحة السنية تحديداً؟
وقبل وقف مسلسل الأسئلة تطرح أخرى: هل بَكّر دياب في معركته؟ وهل ستكون له القدرة على تكرار ما حصل؟ ام انها خطوات ستقوده الى موقع مختلف عن السابق؟ وهل يكفي ان يصفق له بعض الوزراء والمعارضون ومعهم كثير من اللبنانيين؟
ليس من السهل الإجابة عن كل هذه الأسئلة وقد تحمل الأيام المقبلة أجوبة متفاوتة وبالتقسيط. فلننتظر؟