ينسج الرئيس المكلف الدكتور حسان دياب خيوط حكومته بهدوء، من دون ان يتأثر حتى الآن بالضغط الذي يتعرض له على يد بعض الاوساط السياسية والشعبية التي اعترضت على تسميته. ويبدو انّ دياب يسعى الى الإتيان بتشكيلة وزارية تشبهه من حيث «الجينات التقنية»، بحيث تكون قادرة على التحول الى «فريق عمل» منسجم، لا تركيبة متنافرة بمنازل كثيرة كما كانت التجارب السابقة.
نجح دياب حتى هذه اللحظة في امتصاص الموجة الاولى من ردود الفعل السلبية التي ولّدها تكليفه في البيئة السنية أو لدى بعض القوى الداخلية، معتمداً استراتيجية الاحتواء والصبر، بعيداً من الانفعال او التوتر الذي قد يتسبب في ارتكاب أخطاء مكلفة في «منطقة الجزاء» السياسية.
وما أعان الرئيس المكلف على تطبيق هذه الاستراتيجية هو الطابع الهادئ لشخصيته التي تشكلت «بنيتها التحتية» الى حد كبير في انكلترا، حيث أمضى فيها نحو 15 عاماً خلال واحدة من أدق مراحله العمرية، بعدما سافر اليها برفقة والدته عندما كان في سن صغيرة، مُستكملاً هناك علومه المدرسية ثم الجامعية، فاكتسب نوعاً من البرودة أو الرصانة الانكليزية في التعاطي مع الأمور مهما بلغ حجم تعقيدها وحراجتها، ليعود الى لبنان عام 1985 ويبدأ تجربته الاكاديمية في الجامعة الاميركية، والتي استمرت الى حين تكليفه.
ويؤكد القريبون من دياب انه «علماني حقيقي»، غير متأثر بالاصطفافات المذهبية والطائفية التي تتحكم بالتوازنات والمعادلات اللبنانية. وبالتالي، هو ليس جزءاً عضوياً من تركيبة النادي السياسي السني المتعارف عليه، ولا يحمل بطاقة انتساب إليه، وهذا ما سَهّل عليه تجاوز حالة الغضب التي سادت جانباً من الشارع السني بعد تكليفه، وصولاً الى اظهاره مقداراً كبيراً من التماسك في مواجهة مفاعيلها التي وصلت الى عتبة منزل الرئيس المكلف في تلة الخياط.
لكن هناك من يلفت الى انّ «ليبرالية» دياب المتمددة على حساب الانتماء الضيق لا تخلو من نقطة ضعف ربطاً بالواقع اللبناني، وهي انه يعاني نقصاً في «كُريات» الشرعية السنية في مقابل شركاء على مستوى السلطة يملكون حضوراً قوياً داخل طوائفهم، الامر الذي قد ينعكس سلباً على ركائز التوازن الداخلي بمعناه الشائع.
إزاء تلك الخشية المتفاقمة داخل بيئة دياب على «الموقع الميثاقي»، يوحي الرئيس المكلف عبر سلوكه انه متحرر من هاجس تأدية دور البطولة في الطائفة، وانه غير معني بهذا النوع من الحسابات، ولذلك فهو عندما وافق على ان يخوض تحدي تولّي رئاسة الحكومة كان يدرك في قرارة نفسه ان ليس لديه ما يخسره أصلاً، بل انّ كل يوم يمر وهو ممسك بجمر المسؤولية في هذه المرحلة المفصلية يُسجّل له لا عليه، ويضيف الى رصيده ولا يَسحب منه.
ويُنقل عن دياب تأكيده في مجالسه الخاصة انه ليس في وارد ان يستثمر موقعه في رئاسة الحكومة ليصبح زعيماً سياسياً او سنياً، مشدداً على انّ هذا الطموح غير مدرج على أجندته، «وإنما أنا أتيت في مهمة إنقاذية محددة، وهمّي الوحيد هو النجاح في تأدية هذه المهمة الوطنية التي لا أريدها ان تشكل تحدياً لأحد».
وإذا كان دياب يتجنّب الانزلاق الى التفاصيل الصغيرة المغلفة بـ«قشور الموز»، إلا انه يتمسّك في المقابل بمجموعة ثوابت كبرى، من بينها العروبة العابرة للمحاور، والتي تشمل في رأيه سوريا والسعودية ومصر والامارات وغيرها. ويُنسب اليه قوله في هذا المجال: «ليس ابن بيروت من يُسأل عن عروبته أو عن التزامه بمبدأ المقاومة ضد العدو الاسرائيلي».
وانطلاقاً من اقتناع دياب بأنّ نجاحه في الدور العلاجي الذي أخذه على عاتقه للجم الفساد والازمة الاقتصادية ـ المالية، إنما يتطلب تفاهماً مع رئيس الجمهورية ميشال عون، فإنّ العارفين يلفتون الى أنّ المؤشرات الاولية تُبين أنّ هناك انسجاماً بين الرجلين، يُفترض ان ينعكس تسريعاً في ولادة الحكومة وتخفيفاً لآلام المخاض قدر الامكان.
ويؤكد المطلعون انّ «حزب الله» اتخذ قراراً بإبداء أقصى المرونة الممكنة لإراحة دياب وتسهيل ولادة الحكومة، وصولاً الى احتمال القبول بتشكيلة مكوّنة بالكامل من وزراء اختصاصيين غير حزبيين، إذا تطلّبت مقتضيات المرحلة ذلك، خصوصاً انّ وجود شخصية من التكنوقراط في رئاسة الحكومة مثل الدكتور حسان دياب يسمح بأن يأتي جسم مجلس الوزراء متناسقاً مع رأسه، وهذا ما لم يكن ممكناً في وضع الرئيس سعد الحريري الذي هو سياسي – حزبي كونه يترأس تيار «المستقبل» وكتلة نيابية. وبالتالي، كان من الطبيعي التمسّك بتركيبة وزارية تشتمل في جانب منها على تمثيل مُشابه لو جرى تكليف الحريري، كما توضح أوساط واكَبت المفاوضات مع «بيت الوسط».