عارياً من التغطية السنية الأساسية يدخل الدكتور حسان دياب نادي أسماء المكلفين تشكيل الحكومة في لبنان. بين رمي اسمه في التداول وبين استشارات التكليف في قصر بعبدا وكلامه بعد قبول المهمة، وبين استشارات التأليف التي أجراها في مجلس النواب وأحاديثه القليلة التي نطق بها، أعطى إشارات متناقضة وملتبسة حول الطريقة التي سيعتمدها لتشكيل الحكومة. ربما هذا الإلتباس يعود إلى صعوبة المهمة التي تنكّبها وهو لا شك مدرك لهذا الأمر.
بين أن يعتذر عن قبول التسمية قبل طرح اسمه تهرباً وخوفاً وزهداً وبين أن يكون رئيساً للحكومة في هذه المرحلة الصعبة اختار أن يجازف. ربما وضع في حساباته أن لا خسارة في ذلك. ولكن هذا الرهان دونه عقبات كثيرة. فهو قد يكون أيضاً ضحية هذه التجربة الحافلة بالتحديات.
في 23 كانون الأول كشف رئيس الحكومة المكلف حسان دياب عبر “تويتر”، أن “الحكومة الجديدة ستكون وجه لبنان ولن تكون حكومة فئة سياسية من هنا وهناك، وستكون حكومة اختصاصيين بامتياز”.
وأضاف في سلسلة تغريدات “ستعمل الحكومة القادمة على الإستجابة للمطالب الحقيقية للبنانيين بعيداً من أي اصطدامات وستقدم برامج تحقق إرادة الشعب”.
وأوضح: “عشت مستقلاً وسأبقى مستقلاً، أما التصنيفات فلا تعني لي شيئاً، القضية الرئيسية تتمثل في تحقيق نهضة لبنان والوصول إلى النتيجة التي يتمناها اللبنانيون”.
معنى الإستقلالية
لمن كان دياب يوجه كلامه بعد التسريبات الكثيرة التي أحاطت بعملية تشكيل الحكومة في محاولات لتجاوزه أو للإيحاء له بما يجب أن يفعل؟ ولماذا اختار هذه الطريقة المختصرة والمباشرة؟ هل كان يريد أن يرد على من يعتبر أنه يمون عليه في عملية التشكيل، وبالتالي هل كان يضع تصوره لهذه العملية خارج البحث والتفاوض أم كان يريد أن يغطي على التدخل في حقه الدستوري المشترك مع رئيس الجمهورية، والقبول بما يعرض عليه مع ترك بعض هامش من الإستقلالية له كي يبنى على أساسه أنه لعب الدور المطلوب منه؟
بغض النظر عن عمليات التشكيك بخلفيات طرح اسمه ومن اقترحه ومن سماه ومن تبناه ومن اعترض عليه، وبغض النظر أيضاً عن الشعبية التي لا يتمتع بها وعن تسخيف “إنجازاته” في وزارة التربية التي تولاها في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في العام 2011، فإن دياب يتمتع بقوة ما يتيحه له الدستور كرئيس مكلف حيث أنه بات يمتلك حق اقتراح أسماء الوزراء وعرضها على رئيس الجمهورية ليوافق عليها أو يرفضها ويطلب تعديلها، ويتمتع أيضاً بحق عدم الإعتذار عن التأليف والتمسك بما يعتبر أنه فعلا حكومة قادرة على إنقاذ الوضع،”حكومة جديدة ستكون وجه لبنان ولن تكون حكومة فئة سياسية من هنا وهناك، وستكون حكومة اختصاصيين بامتياز”، كما قال، مضيفاً أنه كان مستقلاً وسيبقى مستقلاً.
هل يواجه أم يستسلم؟
هل يستطيع دياب أن يكون مستقلاً فعلاً؟ هل يمكنه أن يواجه من كلفه وخصوصاً تحالف الرئيس ميشال عون و”حزب الله” و”حركة أمل”؟ لا شك في أن هذا الأمر يحتاج إلى الكثير من الثقة بالنفس وإلى توفر ظروف تساعده على ذلك، أهمها عدم شعوره بأنه رهينة هذه التسمية وهذا التكليف، وأنه سيكون مديناً للمهمة التي كلف بها وليس لخدمة أهداف من كلفه ومن يريد حكومة غير مستقلة عن قراره.
لا شك أيضاً أن الرئيس المكلف يدرك أن المعارضة لتكليفه لم تكن شرسة وقاطعة. ربما من شبه المتفق عليه أنه يتمتع بتوافق عام على إعطائه الفرصة ليكون فعلا مستقلاً. هذه الفرصة تقتصر على عملية التشكيل فإذا كان العرض الأول الذي سيقدمه يحمل صفة الإستقلالية فلا شك في أن النظرة إليه ستتبدل. وهذه النظرة لا تتوقف عند هذا الأمر فقط بل تتعداه إلى استكمال عملية التشكيل. وفي هذا المجال يتراوح هامش المناورة عنده بين ثلاثة تشكيلات ستكون لكل منها ردود فعل تناسبها.
إذا قدم لرئيس الجمهورية تشكيلة مستقلة فعلاً ورفضها الرئيس، قد يشجع هذا الأمر من رفض تسمية دياب لتشجيعه على المضي في هذا الموقف. وهذا الأمر قد يعجِّل في الخلاف بينه وبين من سموه وقد يعلق عملية التشكيل عند هذا الحد وهذه ورقة في يده لأنه لا شيء لديه ليخسره من التأخير على عكس من سموه.
إذا قدم تشكيلة مفضوحة وظاهرة من دون التباس بأنها حكومة الوزير جبران باسيل و”حزب الله”، فسيكون على موعد سريع مع المقاطعة والحرب المعاكسة التي تنتهي معها مهلة فترة السماح.
إذا قدّم تشكيلة فيها شيء من التوازن بين التبعية والإستقلالية قد يكمل ما كان يمكن أن تفعله الحكومة المستقيلة، وبالتالي قد يزيد الأمور تعقيداً وسوءاً ولن يتمكن من تدارك الإنهيار.
الثقة السنية
على الرئيس المكلف أن يأخذ في الإعتبار أولاً أنه عليه أن يستعيد ثقة الطائفة السنية التي ينتمي إليها. فلا يمكنه أن يتنكر لطائفته وهو لا يزال ينتظر رد فعل من دار الفتوى التي لا تزال تتريث في إعلان رفض القبول به، كما حصل مع المرشح المقترح سابقاً سمير الخطيب. وهو ينتظر تحديد موعد له وهذا الموعد لا يمكن أن يتحدّد إلا إذا كان هناك إثبات بأنه مستحق ومطابق للمواصفات. وهذه مسألة ليست بسيطة وتحتاج إلى الكثير من الجرأة.
يواجه الرئيس المكلف أيضاً تحدي العلاقة مع الرئيس سعد الحريري الذي أعلن أنه لم يسمّه ولم يعارضه ولم يقترح اسمه وقد لا يمنحه الثقة. هذا التحدي يكمن في رغبة دياب في أن يكون مجرد رئيس حكومة “مارق” قد لا يذكره التاريخ إلا بهذه التجربة “السيئة”، أم في إرادته أن يكون رئيس حكومة حقيقياً يمثل دوره الفعلي ولا يكون مجرد باش كاتب، وبالتالي فهو بين خيارين: إما أن يدخل نادي رؤساء الحكومات من بابه العريض أو أن ترذله التسمية وتجعله منبوذاً لا يربح دنيا الحكم ولا آخرة ما بعد الحكم.
عندما سمي وزيراً للتربية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي كانت بمثابة انقلاب سياسي دبره “حزب الله” لم يكن من خارج سياق هذه المعادلة، وهذا الأمر يحسب عليه وبالتالي هل يكرر نفسه أم يتجاوزه وينقضه، خصوصاً أنه اليوم ليس مجرد وزير بل رئيساً مكلفاً تشكيل الحكومة عليه أن يختار الوزراء بالإتفاق مع رئيس الجمهورية، وإن كان تمّ اختياره لهذه المهمة فعليه ألّا يبقى أسير هذا الخيار.
“الإنجاز” الوحيد الذي يسجل له اليوم بين التسريبات التي تستهدفه هو الكتاب الذي أصدره قبل ترك الوزارة وهو يكاد اليوم يكون المأخذ الكبير عليه، ولذلك فإن ما اعتبر أنه إنجازات قد يكون سبباً في تفشيله وتحطيم صورته، إن لم يذهب نحو تحقيق إنجاز فعلي يضعه خارج إطار الصورة التي رسمت له واختار سابقاً أن يكون أسيرها. وبالتالي عليه أن يحرر نفسه أولا من هذه الصبغة الشخصانية.
الوزير السني الأول أم السابع؟
الرئيس المكلف يواجه مسألة الأسماء التي تعرض عليه والحقائب التي يتم اختيارها لها. هل سيكون في استطاعته أن يقول أنه هو من يحدد الأسماء والحقائب؟ هل يقف في وجه “أمل” و”حزب الله” والوزير جبران باسيل؟ هل يقبل بالتناوب في الحقائب وبعدم احتكار التمثيل في حقائب معينة؟ مثلاً هل يعطي الرئيس بري حقيبة وزارة المال والوزير جبران باسيل حقائب الخارجية والدفاع والطاقة والعدل والإقتصاد؟ بمعنى آخر هل يعيد توزيع الحقائب كما كانت في الحكومة السابقة المستقيلة ويحصر عملية التغيير بالحقائب التي كان يتولاها وزراء “القوات اللبنانية”، تطبيقاً لما عرض على الرئيس سعد الحريري قبل استقالته بتعيين وزراء من الحراك محل وزراء “القوات”؟
لا بد من أن يدرك الرئيس المكلف أنه لا يشكل حكومة في ظروف عادية وفي أزمة عادية. لقد تم اختياره على قاعدة أنه لا يشكل تحدياً واستفزازاً مباشراً، كما لو تمّ ترشيح شخصية سنية منتمية علناً إلى محور 8 آذار، بحيث كان من الممكن أن يتم رفضها سريعاً وشن حرب عليها لإسقاطها في الشارع ومنعها من القبول بهذه المهمة. ولا بد من أن يدرك أيضاً أن هذه الحكومة الجديدة عليها أن تواجه تحديات كبيرة في المجالات كافة، وأن تحصل على ثقة الشارع والحراك الذي قال أنه يريد أن يكون ممثلاً له ويأخذ بمطالبه، وعلى هذه الحكومة أن تحظى أيضاً بثقة المجتمع الدولي لأن هذه الثقة هي المدخل لاعتراف هذا المجتمع بأهلية الرئيس المكلف للقيام بهذا الدور. إذا لم يحصل ذلك فلن يكون دياب إلا تجربة فاشلة لعملية تضييع الوقت والتعجيل في الإنهيار. وهو لا بد من أن يأخذ في الإعتبار أن توافق “حزب الله” و”حركة أمل” والوزير جبران باسيل على تسميته ليس نابعاً من حبهم له، بل من حاجتهم إليه وهو اليوم بات في موقع يوجب عليه معرفة أن هذه الحاجة ورقة قوة في يده ليواجه بها. لأنه لو كانت هناك خيارات متاحة بعيداً منه لما كان تم اللجوء إليه واستحضار صورته واسمه من النسيان إلى دائرة القرار. وهو ارتضى بهذه المهمة التي يمكن أن تجعله حملاً بين ذئاب إن لم يحسن أن يكون أيضاً ذئباً شريكاً كاملاً في الدور الذي عليه أن يلعبه. بمعنى آخر أن يكون الوزير السني الأول لا الوزير السني السابع كما حصل في الحكومة التي كان واحداً منها.