مرّ أكثر من شهر تقريباً على هجوم رئيس الحكومة حسان دياب على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من دون أن يفهم المواطن ماذا جرى وأين ذهبت أمواله، وما غاية هجوم دياب ولماذا تمّ السكوت على ما اعتبره تجاوزات الحاكم.
لا شكّ أن المعركة بين دياب والمحور الذي يمثله من جهة، وسلامة والمحور الداعم له لم تنته فصولها بعد، لكن التسوية تغلب في النهاية، والكل متورط في إفلاس الدولة وسرقة المال العام ومال الشعب، لذلك فإن هذا الملف سيلحق بسابقاته من الملفات التي فُتحت ولا يعلم أحد كيف انتهت.
وفي هذه الأثناء، يُصرّ دياب على تدخل مصرف لبنان في السوق وضخ دولارات من أجل لجم إرتفاعه في السوق السوداء، وفي هذا الأمر فوائد تعود على الشعب اللبناني الذي تبخرت مدخراته وطارت معاشاته، بفضل ارتفاع سعر العملة الخضراء، لكن المصرف المركزي لا يزال يتريث في هذه الخطوة لاعتبارات عدّة حسبما تكشف مصادر مصرفية لـ”نداء الوطن” وهذه الإعتبارات هي كالآتي:
أولاً: لم يعد لمصرف لبنان إحتياطي كبير من العملات الصعبة وهذا الأمر لا يسمح له بالعبث بما تبقى من دولارات، هي ضرورية جداً لعمليات إستيراد المواد الغذائية والإحتياجات الضرورية للمواطنين مثل الأدوية والمحروقات والطحين، والتي لا تزال تستورد على سعر 1507 ليرات، أي إنها مدعومة من الدولة ولم تستورد وفق سعر دولار السوق.
ثانياً: إن الهامش بين سعر الصرف الرسمي المثبت في مصرف لبنان وسعر السوق بات كبيراً جداً، وأي ضخ للدولارات في السوق لن يؤدّي إلى تراجع سعره بالشكل المطلوب، وبالتالي فإن العملية ستكون مجرد تبذير لإحتياطي مصرف لبنان من دون أن تعطي نتيجة على أرض الواقع، خصوصاً أن هناك عدداً كبيراً من المدخرين سيسارعون إلى شراء الدولار من السوق وتخزينه تحسباً لأي احتمال لرفع سعره، وبالتالي فإن هذه العملية ستحرم المواطن اللبناني من أي استفادة من هذه الدولارات في عملية الإستيراد.
هذا في الشق الإقتصادي – التقني، لكن في النقطة الأهم، فإن المصادر ترى أن إصرار دياب على ضخ المصرف المركزي دولارات في السوق يهدف إلى تسجيل إنتصارات وهمية أولاً، وثانياً هدفه استكمال السيطرة على هذه الدولارات من قبل محور معروف يعاني من أزمة مالية، ومن جهة ثانية من أجل استكمال تزويد سوريا بالدولارات وليس من أجل استفادة الشعب اللبناني من هذه الدولارات.
وتشير المصادر إلى أن حاكم مصرف لبنان تحدّث في مؤتمره الصحافي الأخير عن فقدان نحو 20 مليار دولار من لبنان في السنوات الأخيرة لعمليات استيراد ليست للشعب اللبناني، بل إن الحقيقة أنها كانت تُهرّب إلى سوريا ولم تقم السلطات المعنية بأي خطوة لضبط التهريب، في حين أن الصرخة علت في أواخر الصيف الماضي نتيجة زيادة الطلب على الدولار وتهريب قسم كبير منه إلى سوريا، وذلك عن طريق العمال أو بعمل عصابات منظمة، وصدر حينها القرار الشهير بوقف سحب الدولارات من الـ ATM.
وأمام كل هذه الوقائع توضح المصادر أن التهريب إلى سوريا يستنزف جزءاً كبيراً من إحتياطي مصرف لبنان، وعندما نجح مصرف لبنان في منع تهريب الدولار إلى سوريا هوت العملة الوطنية السورية، في حين أن دياب وحكومته يريدون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء والإستمرار بسياسة التهريب، وما قضية المازوت والطحين المدعومَين ليستفيد منهما الشعب اللبناني، إلا دليل على عمل تلك العصابات المغطاة بغطاء سياسي من قبل بعض القوى المسيطرة على الحكومة.
لا تنكر المصادر أنّ هناك أزمة دولار في لبنان، وأنه من حق المودعين الحصول على أموالهم في المصارف، لكنها في المقابل تعتبر أن الإصلاح السياسي هو الأساس في تعويم القطاع المصرفي وبقية القطاعات الإنتاجية، في حين أن الإستمرار في سياسات البعض قد تعرض البلد لمزيد من العقوبات وستكون لها آثار وخيمة على لبنان.