سمّـوهُ «ديبـاً»، غيرَ أنّـهُ نعجَـةٌ وتحفَّـزَتْ خلفَ النعاجِ ذئابُ.
ج. هـ.
نصبّـوهُ رئيس حكومةٍ «مقطوعَ اليدين»، وما زالوا بأيديهم الطويلة الملوّثـةِ يحكمون…
وبالرغم مـمَّا قيلَ فيهم ويُقال من كلامٍ ذليلٍ ضجَّـتْ بـهِ الألسنةُ والأقلام والإعلام، بلُغَـةِ الهجاء الأدبي كان، أوْ بلغاتِ بناتِ الهوى في الزنزانات، فما زال الذين حكموا يقرعون في آذاننا الطبول، يعقدون المجالس، يطرحون المشاريع والحلول، يجنّدون أنفسهم أبطالاً لمحاربة الفساد، وقد تراكمتْ حولهم الفضائح جبالاً، كلّما أشرقتْ عليها شمسٌ ذابَ ثلج.
وعلينا… بخشوع المتعبِّدين، أنْ نتخلَّى عن الإدراك العقلي، ونتصوّرهم بالذهْنِ أبراراَ صالحين، كما يتصوّرُ المؤمنُ الذاتَ الإلهية تصوُّراً غير خاضعٍ للمناقشة.
وعلينا… أنْ نتصوّر أعضاء هذه الحكومة أبطالاً وهميِّـين كمثل أبطال المقامات في الأدب العربي، يمارسون أعمال التمْويهِ والمخادعة على أنَّها براعـةٌ أدبية.
وعلى هُـدى: تفاءلوا بالخير تجدوه، إبتهجنا برئيس الحكومة حسّان دياب وهو يتلو البيان الوزاري بلسان حسّان بن ثابت شاعر المسلمين الذي يقول: «لساني وسيفي صارِمَانِ كلاهما…»
وراح حسّان الرئيس على غرار حسّان الشاعر يجـودُ بوصف الحكومة في البيان على أنها: «حكومةٌ مستقلّـةٌ شفافـة، تنأى بلبنان عن الصراعات، تستردّ الأموال المنهوبة، تكافح الفساد والإثـراء غير المشروع»… ويختـتم.. «بمعاهدة الشعب على التزام الحكومة بكلّ فقرة في البيان…»
الحكومة تلتزم، والإلتزام في اصطلاح الفلاسفة هو الرابطة الحقوقية الواجبةُ الوجوب بين الفاعل والمفعول.
وفي الإستنتاج البياني للبيان، أو ما يُعرف بالقياسات البرهانية نـرى أنَّ الحكم والسلطة والمسؤولية والقرارات والمواقف والبيانات، والنهج والأداء والتشكيلات والتعينات والمحاصصة والتلزيمات، والمصارف والأموال والإثـراء والمعابر والأوامر والقضاء والكهرباء…
هذه كلّها، لا تزال خاضعة لمن هم فوق الحكومة أَرباباً: أنا ربّـك يا موسى.
وتبقى السلطة وهمية، والدولة مغتصبة، والشعب في غرفة العناية الفائقة ينزف بين أيدي الممرّضين، فيما الجسد المشظـىّ يحتاج إلى أطباء جرَّاحين.
لعلَّ حكومة التكنوقراط تصلُحُ، عندما تكون المعارك بالأرقام والحروف، لا بالخناجر والسيوف، ولعلّ هذا ما يعنـيهِ أرسطو بقوله: «الناشيء يمكن أَنّ يكون عالماً في الرياضة، ولا يمكن أنْ يكون سياسياً، لأن السياسة قِـوامُها التجارب في الحياة…»
الخليفة الظاهر، أحدُ خلفاء الدولة الفاطمية في حكم مصر، كان قاصراً فتولَّـتْ الحكم الفعلي عمَّـتُه «ستُّ الـمُلْك»، وبعد وفاتها، تولّـى الوزارة «نجيب الدولة» الذي كان مقطوع اليدين، فتقطّعتْ أوصال الدولة الفاطمية وسابتْ سيادتها.
عندما يكون الخليفة قاصراً، والشعب منهوب الحقوق والجيوب…
وعندما يكون «نجيب» الدولة مقطوع اليدين…
فلا يبقى أمام الشعب إلاّ أن يأخذ حقّـه بيديـه.