Site icon IMLebanon

دياب بين الساموراي والنينجا

 

يصعب بل يستحيل إدراك المغزى والجهة المقصودة بالرسائل التي وجهها الرئيس حسان دياب في عطلة نهاية الأسبوع المنصرم، فخصوم دياب السياسيين جميعهم خارج دائرة التأثير، بل إنهم  مطرودون من الساحات ومحظور عليهم حرية التعبير في الشارع. إنّ محاولة البحث  عن «إنقلاب أفشله رئيس الحكومة أو عَلم أسقطه من يد حملة الأعلام، أو دويلة أو فوضى انتصر عليها» وسط رائحة القنابل المسيّلة للدموع وتدمير ما تبقّى من المحال التجارية على يدّ حملة الأعلام وراكبي الدراجات، يُدخلنا في مشهد إفتراضي قد لا يقوى رئيس الحكومة نفسه على تبريره.

 

كيف يمكن أن نقبل أو نستوعب دعوة دياب للإنقلابيين المفترضين إلى «حمل هوية وطنية موحدة ورفع علم واحد والدفاع عن وطنٍ واحد»، وعباراته عن «ضعف الدولة وظهور الدويلات  وتراخي قبضة الأمن كسبب لظهور الفوضى ونزاهة القضاء واستقلاليته»، فيما يتعرض، وعلى أمتار قليلة من السرايا، ما تبقّى من الوسط التجاري لعملية إبادة غير مبرّرة تنفذها جحافل حلفائه، وتقف الأجهزة الأمنية التي ترتبط به وتقع تحت سلطته المباشرة مرتبكة مكتوفة الأيدي تتلقى نصيبها من حجارة المندسّين ومن سخط وخيبة أمل مواطنين يرقبون عاصمتهم وقد تحوّلت أطلالاً، فيما ينبري مواطنون فقراء في الشمال، ممن لا يملكون القدرة على شراء قوتهم اليومي، لتوقيف شاحنات تستفزهم  لأنها تحمل مواد غذائية الى سوريا.

 

في قلب بيروت وأمام ناظريك يا دولة الرئيس ترتسم صورة العجز عن الإمساك بالأمن، وتستنسخ هذه الصورة في طرابلس العاصمة الثانية حيث يُقدم راكبو الدراجات على تدمير المحال والأملاك العامة والخاصة أمام استهجان المواطنين من عجز الأجهزة الأمنية عن إنهاء ظاهرة العنف المتنقل. إنّ محاولة اختلاق عدو وهمي لتبرير كلّ ما حدث لا يبدو خياراً موفقاً وهو لا يمكن أن يحجب الفشل في مقاربة الإصلاحات، والتراجع في ملف الكهرباء، والمحاصصة في التعيينات، ولا التسيّب على الحدود، أوالتمسّك بخطة إقتصادية تستند لشطب ديون الدولة ووضع اليد على أموال المواطنين.

 

في وسط كلّ هذا السراب المفتعل، نتساءل من ما هو العقل الذي يقف وراء هذه المناورة الإعلامية، ومن هو هذا الحالم الذي جعلك يا دولة الرئيس تعتقد أنّ فرضيّة الإنقلاب الذي أفشلت والدويلة التي أسقطت، سيتبعها متهمون إفتراضيون وموقوفون، ومن بعدها أحكام وتدابير يمكن أن تنقذ حكومتك المتعثرة. إنّ هذه السياقات التي أكل الدهر عليها وشرب كانت تصحّ في زمن الوصاية التي حكمت البشر والحجر، وإنّ محاولة إحيائها ليست سوى حنين متقاعد يعيش على أمجاد ماضٍ لن يعود.

 

يدرك الجميع إن خروج الرئيس دياب من السلطة ليس قراراً تتخذه المعارضة (إذا كان لا يزال هناك معارضة) فهذا يفوق قدراتها، وهو في الوقت عينه قرار لا يعود له لا قبولاً ولا رفضاً، فهل كان الرئيس دياب يتوجه للبعض من حلفائه عندما تكلم عن إنقلاب تمّ افشاله وهل أن البعض المقرّر في الحكومة وعنها يعتبر أنّها أضحت إحدى مقدّمات التنازل التي يمكن التضحية بها؟

 

إنّ حكومة حسان دياب مقبلة على جملة من التّحديات ليس أقلها المطالبة بإقفال المعابر الشرعية وغير الشرعية التي يعتبرها الأميركيون، بموجب قانون قيصر، الشرايين الأساس للتأمين اللوجستي للنظام السوري وما سيترتب على ذلك من وقف المساعدات للجيش اللبناني، أو إثارة قضية  628 معتقلاً لبنانياً في السجون السورية في ضوء ملف «عمر الشغري» أحد الموقوفين في الفرع 215 – كفرسوسة، والذي وثّق وجود عدد من السجناء اللبنانيين التقاهم خلال فترة إعتقاله، أو وقف التمويل الأميركي لمهمة اليونيفيل مما سيؤدي الى خفض عديدها ويُعيد مسألة أمن الحدود الجنوبية الى الواجهة ويرفع من مخاطر اندلاع المواجهات. كيف ستواجه حكومة دياب نتائج إخفاق الإجراءات المتّخذة للجم الهبوط في سعر صرف الليرة، وهي تدرك أنّ كل احتياط مصرف لبنان ليس كافياً لإنقاذ النظام السوري أو لتعويض نقص التمويل جراء العقوبات الأميركية على طهران وملاحقة ممولي أنشطة حزب الله؟

 

إنّ الإيعاز للرئيس دياب بالإستقالة والذهاب نحو حكومة تصريف أعمال قد يكون المخرج الوحيد المتاح أمام من يحكم لبنان لتجنّب مواجهة الإستحقاقات الدولية في ضوء التغيّرات المتسارعة في الموقف الاوروبي والإصرار الأميركي  على تحجيم النفوذ الإيراني. وربما يصبح الإنكفاء خلف حكومة مستقيلة أقل كلفة من الاستمرار في السير على حافة الهاوية.

 

لقد حاول الرئيس دياب ترسيخ صورة «الساموراي الأخير» لنفسه في أذهان اللبنانيين من خلال الإيحاء بالتمسّك بمبادئ التمرد وعدم العدول عن رأي مشرّف وإسقاط مفاهيم الإنبطاح والإنهزام والخوف والإرتياب من المستقبل، ولكن هذه الصورة مصابة في الصميم فقيّم «الساموراي» المُدعاة لا يمكنها أن تتعايش مع إجرام مئات العابثين من مقاتلي «النينجا».