عندما يتّهم رئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب «جهات داخلية وخارجية» بمحاولة العبث بالسلم الأهلي وتهديد الاستقرار الأمني، واصفاً المتظاهرين بـ»الزعران»، فانّ اقلّ ما يجدر به عمله هو تسمية من هم هؤلاء الذين يهددون لبنان. هؤلاء معروفون وهناك ادلّة على هويتهم بالصوت والصورة.
جاء كلامه الأخير عن «الزعران» بعد خطاب القاه مساء السبت الماضي تحدّث فيه عن «مؤامرة» وعن «انقلاب».
لم يتردد عبر تسريبات من النوع المضحك المبكي في الإشارة الى بيت الوسط، الى بيت سعد الحريري، الذي يجتمع فيه عادة رؤساء الوزارة السابقون، أي سعد الحريري نفسه ونجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة وتمام سلام. هؤلاء لا يخفون موقفهم حيال الوضع اللبناني، بل يسمّون الأشياء باسمائها ولا يتلطون خلف كلمتي «مؤامرة» و»انقلاب». مشكلة حسّان دياب بكلّ بساطة انّه عاجز عن الاتيان بدليل واحد على مؤامرة او انقلاب. اذا كان من مؤامرة على لبنان، فانّ وجود حسّان دياب في موقع رئيس مجلس الوزراء هو المؤامرة بحدّ ذاتها. واذا كان من انقلاب، فانّ حسّان دياب يجسّد هذا الانقلاب. انّه انقلاب على النظام الحرّ في لبنان وتحويله الى ورقة إيرانية لا اكثر.
لا يفيد الكلام الكبير الذي يصدر عن رئيس مجلس الوزراء اللبناني في شيء. ما يفيد هو الأفعال. في حال كانت لدى حسّان دياب ايّ أدلّة تدعم كلامه، كلّ ما عليه هو كشف هذه الادلّة بدل قوله إن «ما يحصل في البلد غير طبيعيٍّ (..) هناك قرار في مكان ما داخلي أو خارجي، أو ربما الإثنين معاً للعبث بالسلم الأهلي، وتهديد الاستقرار الأمني» مضيفا انّ «ما يحصل يحمل رسائل كثيرة وخطيرة، ولم يعد مقبولاً أن يبقى الفاعل مجهولاً، وأن لا يكون هناك موقوفون من الممولين والمحرضين والمنفّذين. هذه لعبة خطيرة جداً، ويجب وضع حدّ لهذا الأمر».
ذهب حسّان دياب الى حدّ وصف المتظاهرين بـ»الزعران الذين يستبيحون الشوارع ويدمرون البلد ومؤسساته»، قائلا: «هذه ليست احتجاجات ضد الجوع والوضع الاقتصادي» معتبرا الاحتجاجات التي شهدها لبنان في الفترة الأخيرة، «عملية تخريب منظّمة» وانّه «يجب ان يكون هناك قرار حاسم وحازم بالتصدي لهذه الحالة التي تتزايد وتنتقل من منطقة إلى منطقة الى منطقة».
قال ايضا: «يجب توقيف الذين يحرضون والذين يدفعون لهم والذين يديرونهم، من الداخل والخارج. إذا لم نفعل ذلك، سوف تخسر الدولة نفسها وهيبتها، وستتفلت الأمور من أيدينا جميعاً ويذهب البلد الى مكان مجهول. فلنتصرف بسرعة». لم يطرح سؤالا في غاية البساطة. لماذا لم توقف القوى الأمنية أحدا وراحت تتفرّج على ما حصل أخيرا في بيروت؟ لماذا لم ينزل حسّان دياب الى وسط بيروت لتفقد المحال التجارية التي أحرقت انتقاما من بيروت وليس لاي سبب آخر.
وصل حسّان دياب الى موقع رئيس مجلس الوزراء، لانّ «حزب الله» أراده في هذا الموقع. ليست هناك شخصية سنّية ذات قدر وقيمة ووزن وتمتلك حدّا ادنى من الاحترام للذات تقبل ان تكون في موقع رئيس مجلس الوزراء وفق شروط «حزب الله»، أي ان يكون الرئيس الفعلي للحكومة جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي يترأّس في الوقت ذاته «التيّار الوطني الحر». يغطّي العونيون كلّ ممارسات «حزب الله» على الارض ويغطّون سلاحه غير الشرعي. في مقابل ذلك، لا وجود لحكومة قادرة على تسمية من وراء «المؤامرة» او من وراء «الانقلاب» اللذين يتحدّث عنهما حسّان دياب. يبدو انّنا امام رئيس للحكومة يطلق رواية لا تمت الى الحقيقة بصلة ويصدّقها، على طريقة حكايات جحا.
هذه بعض الادلّة على ان رئيس مجلس الوزراء في لبنان يعيش في عالم لا علاقة له بالواقع. يوم الجمعة الواقع فيه الثالث عشر من حزيران – يونيو 2020، نزلت عناصر من «حزب الله» الى وسط بيروت وشاركت مع مجموعات يسارية وأخرى سنّية متطرّفة في تدمير محال تجارية واحراقها وغطت عمليا الشغب. لم تقدم قوات الامن على أي خطوة لوقف التدمير والحرق. هذا الواقع ليس سرّا عسكريا. هناك آلاف الصور تؤكده وتؤكّد ان عناصر حزبية على دراجات نارية أشرفت على التدمير واشعال الحرائق. وفّرت غطاء للحاقدين الذين لم يكن لديهم ما يفعلونه سوى تدمير وسط بيروت الذي وفّر في الماضي فرص عمل لآلاف الشبان اللبنانيين من كلّ الطوائف والمناطق.
في الوقت الذي يتحدّث فيه حسّان دياب عن «مؤامرة» وانقلاب»، كان من الأفضل لو قدّم استقالته، مع ما يعنيه ذلك من استقالة لحكومته. كان كافيا ان يبلغه ان استقالة حكومته مرحّب بها في حال كان يريد ذلك، حتّى عاد الى بيت الطاعة. عاد الى الضغط على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من اجل ضخ دولارات في السوق. لا يدري ان ضخّ الدولارات لا يفيد في شيء من اجل المحافظة على سعر الليرة اللبنانية في غياب دولارات تأتي من خارج لبنان. لن تأتي مثل هذه الدولارات الى لبنان لسببين على الاقلّ. الاوّل ان لبنان في عزلة عربية. في أساس هذه العزلة تحويل «حزب الله» البلد الى قاعدة مناوئة لكل عربي خليجي. امّا السبب الثاني فهو عائد الى انّ هناك عقوبات أميركية على «حزب الله» وبالتالي على لبنان. لم يعد هناك ايّ اهتمام أميركي بمساعدة لبنان ما دام البلد تحت سيطرة «حزب الله» وهيمنته. لن يساعد احد لبنان قبل ان يساعد نفسه وقبل ان يتوقف تهريب الدولارات الى سوريا.
لا يستطيع حسّان دياب الاقدام على أي خطوة لوقف الانهيار. كان تهديده بالاستقالة احتجاجا على ممارسات جبران باسيل وتعييناته آخر ورقة استخدمها لاظهار انّه موجود. في النهاية وقّع على تعيينات ادّعى في تصريح علني انّها «لا تشبهه». تبيّن ان هذه التعيينات تشبهه الى ابعد حدّ.
من المفيد بين الحين والآخر التذكير بانّ رئيس الحكومة اللبنانية عاجز عن الاقدام على ايّ خطوة في الاتجاه الصحيح. الثقة بينه وبين اللبنانيين مفقودة. هذا عائد الى انّه صار اسير الموقع الذي يشغله. هذا الموقع وضعه فيه «حزب الله». صار بكل بساطة اسير «حزب الله». كلّ كلام آخر لا معنى له، لا مواضيع الانشاء التي تذكّر بتلك التي يكتبها طلاب نهاية المرحلة الابتدائية ولا الكلام الكبير عن «مؤامرة» و»انقلاب» في بلد ليس هناك مغترب لبناني او عربي او اجنبي على استعداد لان يوظّف فيه دولارا واحدا…