قرارات حاسمة امام حكومة الرئيس حسان دياب هذا الاسبوع والاسابيع المقبلة. فالحكومة ستتخذ في اليومين المقبلين قراراً يتعلق بالدفع او عدمه في ما يتعلق بسندات اليوروبوند التي تستحق في 9 آذار، مع العلم انّها طلبت حقها في اسبوع فترة سماح، كما يسمح اتفاق الاستدانة. المصارف واللوبي الضاغط من قبلها يضغطان باتجاه فكرة جديدة تفضي الى دفع الاستحقاق للأجانب وإعادة التدوير لأصحاب السندات المحلية.
هذا الاقتراح كان جدّياً البارحة، بعد ان فقدت المصارف الامل في استجابة الحكومة لدفع الاستحقاق لجميع حامليه. هذا الاقتراح جعل البعض يتساءل عن حماسة المصارف وغيرتها على الخارج مقابل قبولها بتدوير ما تحمله محلياً. الجواب يتوضح في حال فُتح تحقيق حول من هم الاصحاب الفعليون للسندات الخارجية، مع ترجيح قوي ان تكون اطراف لبنانية باعت السندات لصالح حسابات تحت سيطرتهم في مصارف اجنبية. هذا الموضوع حساس جداً في وجه الرئيس دياب، في وقت ضاعت ودائع الناس بالرغم من الخطابات الشعبوية التي تطلقها بعض القيادات السياسية حول قدسية الودائع وعدم المساس بها. وينطبق عليهم المثل الشعبي القائل: «قتلوا القتيل ومشوا بجنازته ثم ابنوه وعددوا خصاله».
ثم تأتي في الاسابيع المقبلة قضية التعيينات القضائية والفئة الاولى وهيئات الرقابة ونواب حاكم البنك المركزي واعضاء لجنة الرقابة على المصارف.
لقد برهنت وزيرة العدل الجديدة ماري كلود نجم عن انّها جريئة بدرجة افتقدها اللبنانيون لسنوات، مع عدم تقليل ما قام به وزيرا العدل السابقان البير سرحان او شكيب قرطباوي، لكن ظروفهما السياسية اختلفت عمّا هو حاصل اليوم مع الوزيرة الحالية. فتعيين القاضي سهيل عبود إشارة ممتازة ايجابية توحي انّ النهج السابق لم يعد مقبولاً، وان هناك من سيقوم بعمله بدل ان يفتح دكان فلافل.
التحرّك الفوري للوزيرة مع المدّعي العام التمييزي، (الذي لديه فرصة ذهبية اليوم للتحرّر من نفوذ المرجعية السياسية التي أوصلته الى مركزه، واستغنام هذه الفرصة ليجعل من نفسه ايقونة قضائية غير مسبوقة لمدّعي عام تمييز بعد الحرب الاهلية)، والمدّعي العام المالي، حول قضية بيع وشراء سندات «اليوروبوند» بين الداخل والخارج، هذا التحرّك أرسل اشارة واضحة للرأي العام وللسياسيين، انّ هذه الوزيرة وفريقها سيكونون مختلفين في ممارساتهم عن اسلافهم، ما قد يعيد بعض الثقة المفقودة بين الشعب والسلطات القضائية. لا دولة بدون قضاء، ولا قضاء بدون تنفيذ احكام قضائية، ولا تنفيذ احكام بدون رفع النفوذ السياسي عن القضاء. هذا هو الامتحان- التحدّي للوزيرة الجديدة. وليس غريباً ان يستثني مقال صحافي وزيرة العدل والقضاء من بين الوزراء والوزارات الاخرى، لأنّ القضاء اساس العدل، وهو عامود الاساس في بناء لبنان الجديد. فشل هذه الوزيرة لا سمح الله، هو فشل لوقت طويل، ويقضي على الامل ان يتخلّص القضاء من سلّة السياسيين.
اما الصدمة – الخبر، هو ما تتداوله بعض الاوساط، عن انّ نمط تعيين نواب الحاكم للبنك المركزي لن يختلف عن السابق. سيصطدم الرئيس دياب، كما اصطدم ايام بحثه في اختياره الوزراء، بوقاحة السياسيين في تعيين من يستسيغونه نواباً للحاكم. بعد كل الافلاس المالي والاقتصادي الذي طال الودائع والمصارف والخزينة والاقتصاد، لا يرتدع السياسيون الطوائفيون عن الإعراب وتسمية من يختارونه. كذلك يندرج الامر في تعيين اعضاء لجنة الرقابة على المصارف. بلد أفلس نتيجة السلطة المطلقة للبنك المركزي وحاكمه، والذي هو ايضًا رئيس هيئة الاسواق المالية ولجنة التحقيق الخاصة والمجلس المركزي، ولا يتنطح احد من «المشرّعين» الجهابذة لمعالجة هذا الخلل، فيما ينشغلون بمن نأتي من «الزلم».
هذا هو التحدّي الثاني في وجه الرئيس دياب وحكومته عند اختياره الوزراء، قد يعطيه البعض حسن الظن انّه اضطرّ الى ما قام به من اختيارات لكي يحصل على الثقة في المجلس النيابي. اما اليوم فهو حاكم بأمره يستطيع مواجهة الضغوطات، وغير مضطر للمسايرة. سمّت حكومة الرئيس حسان دياب نفسها حكومة مواجهة التحدّيات. اغلب الظن انّها قصدت مواجهة تحدّيات الملفات والظروف، تحدّيات انّ البلد اصبح دولة مفلسة ودولة فاشلة. وقد عبّر الرئيس دياب عن ذلك في خطابه الاخير بقوله، انّ الدولة باتت عاجزة عن تأمين الأمن الاجتماعي لمواطنيها، فطالته الانتقادات من وسائل التواصل الاجتماعي، بدل التمعّن في ما قصده في عقله الباطني.
الرجل رئيس حكومة وليس وزير تربية كما كان في حكومة الرئيس ميقاتي. تصل اليه كل تقارير المخابرات واجهزة الامن. يلتقي دورياً مع الرئاسات والنواب واصحاب نفوذ في مراكز القرار. اكتشف بالدلائل الملموسة عمق جذور نظام المحاصصة، وانّ اركانه سيكونون كالبنيان المرصوص في حل خلافاتهم، لمواجهته إذا ما عاندهم. وإنصافاً له، يبدي عناداً ملموساً حتى الآن، ولو انّه صاحب شخصية غير معبّرة عن مواقفه. لقد عبّر عن امتعاض كبير لقيام وزير المالية بدفع 71 مليون دولار فوائد سندات من دون العودة اليه، ولكنه فضّل عدم إخراج الموضوع الى العلن. وهو ايضاً من اكثر المتحمسين للمفاوضات مع الدائنين وعدم دفع الاستحقاق في 9 آذار، بالرغم من كل الضغوط التي يمارسها فريق وزير المالية وحاكم البنك المركزي والمصارف، بغضّ النظر عن التصريحات الصحافية المعلنة. ومما لا شك فيه، انّ رئيس الحكومة سيتصدّى للسياسيين لفرض من يرغبون في التعيينات الآتية. الرئيس دياب امام تحدّيات تاريخية تناله شخصياً، وليس حكومته فعلاً. وصل الى رئاسة الحكومة دون توقعات احد بما فيها نفسه شخصياً. حصل ما حصل. لكنه اليوم رجل المرحلة المفصلية الوحدوية للبنان، ومواقفه يمكن ان تجعله احد رجالات المعادلات المستقبلية، يتخطّى بها نادي رؤساء الحكومات السابقين، او ينساه الناس فوراً بعد استقالة حكومته.
على الرئيس دياب ان يعلم انّه ممكن ان يكون رجلاً تاريخياً في احد احتمالين:
1 – ان يتصدّى لنظام المحاصصة بشراسة ويمنع دفع دين 9 آذار، ويفرض تعيين اصحاب الكفاءات في المراكز الشاغرة، يهادن للهدف ويفاوض للهدف ثم ينجح بشراسة للهدف. في هذه الحال يكون رئيس حكومة تاريخياً، متعطشاً له الشعب اللبناني منذ 1989. سيكون رجلاً تاريخياً في حال نجح وأنجز، وحتى في حال نجحوا في عرقلته وفشل، ولكن عليه التصدّي.
2 – عطفاً على امكانية فشله نتيجة شراسة افرقاء واطراف نظام المحاصصة، عليه الاستقالة بدل الإذعان له، ومصارحة الشعب اللبناني، كما صارحهم البارحة. عندها يصبح رجلاً تاريخياً ويكسب شعبية شارع تائه يبحث عن زعامة سيراها فيه.
ايّاه ثم إيّاه ثم إياه، ان يذعن لهم، عندها يخسر كل شيء. ولكي ينجح في عناده ومواجهته التحدّيات، يجب على الحراك والشارع دعمه الى حينها، وتبيان نتيجة صموده.
الاسابيع المقبلة اصعب امتحان في حياة الرئيس حسان دياب… وماري كلود نجم… والحكومة.