Site icon IMLebanon

هل يُنقذ دياب عهد عون؟

 

 

تتعدّد أسباب الأزمة المالية ـ الإقتصادية التي تهدّد بالانهيار الشامل، وتتنوّع ألوان المتسبّبين بها بعد مسار انحداري بدأ منذ أعوام عدة، إلّا أنّ التاريخ سيذكر أنّها حصلت في فترة زمنية واحدة: في عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. هذا العهد بقي من عُمر أقلّ من نصفه، وتشير التقديرات المالية والاقتصادية إلى أنّ لبنان يحتاج، أقلّه الى سنتين أو ثلاث، لكي يعود الى السكة الصحيحة. فهل يحصل الإنهيار الشامل في عهد عون؟ أم تنقضي الأزمة قبل انتهاء ولايته؟ وهل تتمكّن حكومة الرئيس حسان دياب «الضعيف» في طائفته من تجنيب لبنان الإنهيار وإعادة إنعاشه مالياً واقتصادياً، وبالتالي إنقاذ عهد «الرئيس القوي»؟

لا تنحصر عذابات «درب الجلجلة» التي اختار دياب سلوكها لإنقاذ لبنان من «خطاياه»، بتعدُّد الأزمات التي يعيشها البلد، فقد لا يجد دياب على هذه الدرب حتى من يسقيه خلاً، إذ إنّ الرجل الذي يتبوّأ «الموقع السني» الأول في الدولة اللبنانية يفتقر الى «الدعم السني» على عكس سلفه الرئيس سعد الحريري.

 

وتوضح مصادر مطلعة على أحوال الطائفة السنية، أنّ دياب لا يحظى بالتفافٍ سنيّ على المستوى الداخلي، إذ يخسر أيّ شخص الدعم السني على المستوى الطائفي المحلي، إذا كان من خارج نادي «الحريرية السياسية» أو «تُشتمُّ» منه رائحة «حزب الله»، ويكون وضعه أسوأ إذا كان مُرتبطاً برئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل. أمّا عربياً، فالموقف واضح، لجهة أنّ أيّ حكومة خالية من حلفاء السعودية ودولة الإمارات لن تحظى بالدعم والمساعدة غير المشروطين.

 

وانطلاقاً من هذا الواقع، تعتبر المصادر أنّ دياب يُمكنه النجاح في تأمين التفاف حوله، في حالٍ واحدة: نجاح حكومته في إجراء الإصلاحات المطلوبة لتحقيق النهوض، وإرضاء الداخل والخارج على حدٍ سواء.

 

«ضعف» دياب هذا يُشكّل عاملاً إيجابياً له حسب ما يرى البعض، إذ إنّه متحرّر من أيّ اعتبارات طائفية وعقائدية وسياسية وشعبية، كذلك إذا تمكّن من الإنجاز، سيفرض نفسه قوياً بإنجازات وطنية لا بدعمٍ طائفي أو شعبية مبنية على الغريزة الطائفية أو المال السياسي أو الوراثة. الأمر الذي يُشكّل بدوره عاملاً تقدمياً في اتجاه تغيير النظرة الى معايير المسؤول «القوي» و«الضعيف» في لبنان.

 

ولعلّ نجاح دياب يُشكّل خشبة الخلاص الوحيدة لإنقاذ عهد عون الذي مُني بنكسات كثيرة، ففي حال فشلت هذه الحكومة سيُصبح الإنقاذ المالي ـ الإقتصادي صعباً وطويل المدى. ولا يملك عون بين يديه أوراقاً كثيرة، خصوصاً بعد «انتفاضة 17 تشرين الأول» وانطلاق دعوات الى استقالته، وبعد أن انتظر اللبنانيون الفرج والبحبوحة في عهد «الرئيس المسيحي القوي» أتاهم الذل في المصارف والصرف من العمل وغلاء الأسعار والجوع.

 

ويعتبر البعض أنّ حكومة دياب هي الورقة الأخيرة التي يملكها عون، إذ بعد استقالة الحريري في 29 تشرين الأول 2019، وفي وقتٍ كان «الثنائي الشيعي» يسعى الى تأليف حكومة وحدة وطنية برئاسة الحريري، كان قريبون من عون يتحدّثون عن أنّ حكومات كهذه هي التي منعت العهد و«التيار» من تحقيق الإصلاحات والإنجاز، داعين الى تأليف حكومة لا تعاني التجاذبات والعرقلات السياسية. وإذ ينطبق هذا المعيار على «حكومة مواجهة التحديات» المصبوغة بلونٍ سياسي واحد، لا يُمكن التحجّج بالمناكفات السياسية على طاولة مجلس الوزراء، في حال لم تتمكّن من العمل.

 

وعلى رغم من أنّ اللون الذي تُصبغ به حكومة دياب هو لون «حزب الله»، الأمر الذي قد يُعرّضها للحصار جرّاء «النبذ الخارجي»، إلّا أنّ هناك إشارات عدة الى أنّ هذا الأمر لن يكون عائقاً أمام عملها والإنجاز. وتذهب مصادر مطلعة الى القول إنّ أمام دياب فرصة لتحقيق ما عجز الحريري عن إنجازه، إذا عرف كيف يستغلّ الفرصة. وتشير إلى أنّ موقع الحريري السياسي لم ينفعه في جلب المساعدات الخارجية من دون تحقيق الإصلاحات المطلوبة.

 

وترى مصادر ديبلوماسية مُطلعة أن لا «فيتو» أميركياً على حكومة دياب، بل إنّ تصريحات المسؤولين الأميركيين تدلّ الى إعطائها «فترة سماح»، وسيكون هناك انفتاح أميركي عليها في حال قدّمت برنامجاً اقتصادياً وإنقاذياً جيّداً. وتشير الى أنّ الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية لا تريد أن ينهار لبنان، لأنّ هذا الانهيار ليس من مصلحتها. ويُظهر تاريخ التعامل المعاصر مع لبنان أن لا نية لتركه نهباً للإنهيار، على رغم العقوبات الأميركية المفروضة على «حزب الله»، إذ إنّ مسار هذه العقوبات يدلّ الى حرص واشنطن على عدم فرض عقوبات تؤثّر على الاقتصاد اللبناني أو على النظام المصرفي.

 

وتوضح المصادر أنّ الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية لا تتحمّل انهيار لبنان، للاعتبارات الآتية:

 

– يؤدي الإنهيار في بلد يحوي مليون ونصف مليون نازح، الى تدفّق هؤلاء النازحين على أوروبا.

– الانهيار يفتح الباب أمام انتعاش «داعش» أو غيرها من التنظيمات المتطرفة.

– الفوضى في الداخل اللبناني تخدم «حزب الله» وتتيح له استغلال هذا الواقع لتحقيق أهداف سياسية أو كيانية.

– لا مصلحة في إحداث فوضى على حدود إسرائيل.

– تعلّم الأميركيون من الحرب الأهلية في لبنان، إذ انهم دفعوا ثمنها غالياً بتفجير السفارة وخسارة 300 جندي من قوات «المارينز».

 

وتفيد مصادر نيابية على صِلة بديبلوماسيين أوروبيين أنّ «كلام السهرات» يتماهى مع الكلام الرسمي، لجهة أنّ المطلوب من الحكومة الآن، أيّاً كانت هويتها، «الإصلاحات مقابل المساعدات».

 

ويرى متابعون أنّ إمكانية نجاح الحكومة متوافرة، انطلاقاً من 4 عناصر أساسية:

 

– على رغم من أنّها غير مستقلة إلّا أنّ معظم وزرائها أصحاب اختصاص، وقد تتمكّن من خلال تشكيلتها هذه الدفع في اتجاه استقلاليتها. وبالتالي يُمكنها أن تُنتج لأنّها لا تضمّ قوى سياسية متنازعة تبدّي العامل السياسي على العامل المالي ـ الإقتصادي.

– يُمكن الحكومة أن تستفيد من الواقع المالي الكارثي لكي تدفع في اتجاه اتخاذ قرارات لحلّ المشكلات، من دون أن تُواجَه بمعارضة وعرقلة، لأنّ الوضع الآن، وعلى عكس السابق، يتحمّل قرارات بنيوية وجوهرية.

– الجميع يَعي أنّ الانهيار قائم، ولا يُمكن القوى السياسية أن تحول دون تحقيق الخطوات المطلوبة لأنّ الانهيار إذا حصل سيقع على رؤوس الجميع.

– الخارج يعطي الحكومة فرصة، عليها الاستفادة منها واستغلالها وتوظيفها بغية تحقيق الإنجازات.

 

وتُمهل جهات داخلية عدة الحكومة فرصة للعمل، على رغم من أنها لم تمنحها الثقة، إذ إنّ الأزمة متفاقمة وتُنذر بانهيار كبير. وتعلّق على عمل الحكومة بالقول إنّ الإجتماعات واللقاءات وتشكيل خلية نحل خطوات مفيدة، لكن إذا لم تُواكب بقرارات محددة في اتجاهات واضحة، لا توصل الى نتيجة.

 

وفي حين تؤكّد مصادر مطلعة على موقف «حزب الله» أنّه يتعاطى مع الحكومة على أنّ استقلاليتها عالية جداً ولا يملي عليها قرارات أو يضع قيوداً عليها، لأنه مدرك تماماً حجم الأزمة وخطورتها وتداعياتها، تسأل جهات معارضة: هل تملك الحكومة القدرة على العمل؟ هل القوى المُكوّنة أو المؤلفة هذه الحكومة ستتيح لها إنجاز العمل المطلوب منها؟

 

وتجيب إنّ عمل الحكومة الى الآن لا يُبشّر بالخير وخطواتها غير مُشجّعة، من اعتماد موازنة الحكومة السابقة الى طريقة التعامل مع وباء كورونا الذي يهدّد صحة اللبنانيين وحياتهم، وصولاً الى الضبابية التي تلفّ التعاطي مع صندوق النقد الدولي.

 

في كلّ الحالات باتت المعادلة الثلاثية في المرحلة الراهنة: نجاح حكومة دياب ومنع الانهيار وإنقاذ العهد، أو العكس.