طرح جنبلاط للتسوية يعود الى الواجهة كونه مدعوم من الخارج ولعلّه أفضل الحلول
يُنادي البعض في الداخل والخارج بضرورة تفعيل حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة حسّان دياب، في ظلّ جمود مسار التأليف الحكومي، وما يُعانيه لبنان من أزمات تتفاقم يوماً بعد يوم من دون أي معالجة أو محاولة لوقف الإنهيار، والإنحدار السريع والمتدهور للوضع الإقتصادي والمالي والإجتماعي والمعيشي.. ويُطالبونها بعقد الجلسات واتخاذ القرارات رغم إعلان دياب عن رفضه تعويم حكومته بعد أن عملت السياسة على إفشال عملها. ولكن يبدو أنّه من الصعب تفعيل حكومة دياب كون هذا الأمر يحتاج الى «تعديل الدستور».
وتقول مصادر سياسية مطّلعة بأنّ الدستور حدّد مهمة حكومة تصريف الأعمال في الفقرة 2 من المادة 64 التي تنصّ على أنّ «الحكومة لا تُمارس صلاحياتها قبل نيلها الثقة، ولا بعد اعتبارها مستقيلة إلاّ بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال»، ما يعني تسيير شؤون الناس البسيطة، من دون أن يحقّ للحكومة عقد جلسات أسبوعية أو اتخاذ قرارات مصيرية. وهذا الأمر ذكره رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي في الجلسة العامّة لمجلس النوّاب التي عُقدت في الأونيسكو الإثنين، وكان أبلغه للرئيس دياب الذي سبق وأن طالب المجلس النيابي بتفسير مدى صلاحيات الحكومة المستقيلة. وقال برّي بأنّ الدستور واضح فيما خصّ تصريف الأعمال بالنطاق الضيّق، ولا يحتاج الى تفسير، وهو تسيير الأمور الضرورية التي تُفيد الشعب أو تدفع الضرر، الا إذا كان المطلوب تغيير الدستور، وهذا الأمر غير وارد على جدولنا».
علماً بأنّ لبنان شهد بتاريخه الحديث حكومات تصريف للأعمال قامت بأكثر من ذلك لأنّ البلد كان في فترة حرب فعلية، ما حتّم عليها اتخاذ بعض القرارات المصيرية. ولكن اليوم يعقد المجلس الأعلى للدفاع جلساته ويتخذ القرارات التي تدفع الضرر عن المواطنين ويحوّلها الى رئاسة الحكومة ويُبتّ بها. أمّا القرارات الكبيرة فلا يُمكن لحكومة مستقيلة لا تجتمع أن تتخذها. غير أنّ هذا الأمر لا يعني أن تقف الحكومة مكتوفة الأيدي كونها مستقيلة بل عليها من رئيسها الى وزرائها كافة التصرّف في الكثير من الأمور، على الأقلّ أن يقوم كلّ وزير بمراقبة ما يحصل في البلد فيما يتعلّق بوزارته. فكلّ وزير يستطيع التوقيع على تسيير شؤون المواطنين وتحسين بعض الأمور في البلاد، باستثناء عدم جواز التوظيفات، في الوقت الذي نرى فيه بعض الوزراء لا يقومون أي شيء بحجّة أنّهم مستقيلون. وهذا خطأ. فتصريف الأعمال يعني عدم اتخاذ قرارات تُلزم بها الحكومة الجديدة، بل تسيير أمور الدولة.
من هنا، ترى المصادر نفسها بأنّ حكومة تصريف الأعمال، وإن كانت تقوم بتسهيل بعض الأمور الخدماتية الضرورية للمواطنين، الا أنّ عملها يبقى ضيّقاً ومؤقّتاً… في حين أنّ المطلوب اليوم وبإلحاح التوافق على تشكيل «حكومة مهمّة» قادرة على إنقاذ البلاد وتحقيق الإصلاحات وتحسين القيمة الشرائية لليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي والعملات الأجنبية الأخرى. ولهذا فإنّ تفعيل الحكومة الحالية لن يحلّ الأزمات المتفاقمة، بحسب المعلومات، والتي لا يُمكن أن تُعالج الا بوجود حكومة فاعلة، وإلاّ فإنّ لبنان سائر نحو الإنهيار التام بعد نحو شهر ونصف الشهر من الآن.
وإذ يتعثّر تشكيل الحكومة من قبل الرئيس المكلّف سعد الحريري منذ 22 تشرين الأول الماضي، وبعد 18 لقاء جمعه برئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا، لعدم التوافق بين عون والحريري الذي يفرضه الدستور، يعود طرح رئيس الحزب التقدّمي الإشتراكي وليد جنبلاط الذي لم يلقَ آذاناً صاغية منذ اقتراحه، الى الواجهة، وهو «التسوية الحكومية» على قاعدة «لا غالب ولا مغلوب لأي طرف سياسي على حساب الآخر»، مع احترام التوازنات والمؤسسات وما ينصّ عليه الدستور… فهذا ما يحتاجه لبنان اليوم، إذ لن يعود هناك أي قيمة للعبة الحسابات السياسية والأحجام والأعداد أمام الجمود المطلق والإنهيار الإقتصادي والذلّ الذي يعيشه المواطن اللبناني على مختلف المستويات، ولهذا لا بدّ من التحرّك سريعاً والتوافق على تشكيل الحكومة.
وهذا الطرح تؤيّده دول الخارج التي لا تضع لبنان في أولوياتها حالياً كونها منهمكة في أمورها الداخلية وعلاقاتها مع الدول الخارجية الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والسعودية، على ما أكّدت، كون المبادرة الفرنسية لا تزال على الطاولة، ولا بدّ من محاولة إنقاذ ما تبقّى منها. وعمّا هي أبرز نقاط هذه التسوية، ذكرت المصادر بأنّ التفاصيل يتفق عليها الرئيس المكلّف ورئيس الجمهورية في حال اقتنعا أنّ العودة الى التسوية بينهما هي أفضل الحلول في الفترة الراهنة الى حين تبدّل الظروف والمعطيات الإقليمية والدولية، كون السقوف العالية لم تنتج حلّاً، ولهذا لا بدّ من العودة الى الحلول الوسط.
وتقول بأنّ الرئيس المكلّف اليوم هو الرئيس الحريري، وهو الذي يُشكّل الحكومة بالتوافق مع الرئيس عون، لهذا المطلوب منه القيام ببعض التنازلات التي لا تمسّ بدوره وبصلاحياته ليس لمصلحة الطرف الآخر إنّما لمصلحة لبنان واللبنانيين، ولأنّ الشراكة الوطنية تُحتّم عليه استشارة جميع الأطراف لإنتاج الحكومة الجديدة. كما عليه أن يُراعي مبدأ تأليف حكومة تنال ثقة المجلس النيابي، على ما ينصّ الدستور، لا أن يُصرّ على حكومة من 18 وزيراً من الإختصاصيين غير الحزبيين كشف عن أسماء وزرائها، وتبيّن له أنّها لن تتمكّن من نيل ثقة المجلس النيابي عليها.
وقالت بأنّ دول الخارج تُحذّر من بقاء الوضع على حاله، ومن تلاشي البلد، في حين أنّ النزاع لا يزال على من يُسمّي هؤلاء الوزراء أو أولئك. لهذا على عون والحريري اليوم تحمّل المسؤولية والتوافق على تشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن إنطلاقاً من التسوية التي يجدا أنّها مناسبة للبنان وللبنانيين. أمّا التأخير أكثر في تأليف الحكومة فلن تكون نتائجه جيّدة على أي طرف سياسي، ولا على البلد نفسه بكلّ مكوّناته. وذكّرت بأنّ التسويات غالباً ما حالت دون وصول البلاد الى الحائط المسدود، وهذا ما هو المطلوب بإلحاح في الوقت الراهن، مشيرة الى أنّ الجميع مدعو اليوم لتلقّف هذه الفرصة بعيداً عن الشروط والشروط المضادة كون البلد لم يعد يحتمل هذا الترف من الوقت وهذا الإستنزاف الذي يعيشه المواطنون كونه سيصل بعد شهر وشهر ونصف الى وضع يُرثى له. فمن سيتحمّل المسؤولية وقتها؟!