Site icon IMLebanon

جردة حساب فضل الله: يد واحدة لا تُصفّق

 

 

عندما كلف النائب حسن فضل الله قبل سنتين بمتابعة الملف الأكثر تعقيداً في لبنان والمتمثل بمتابعة الهدر والفساد، فان الطريق لم تكن معبدة له في بلد يغرق بكل أنواعه من فساد طائفي وسياسي واداري ومالي، يطاول كل جوانب الحياة ولا يستثني شيئاً. فالأرقام التى أوردها والملفات التي استعرضها في مؤتمره الصحافي الذي أعلن عن انعقاده الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، ليست إلا جزءاً بسيطاً مما في حوزته ومما توصل هو وفريقه اليه. ما أعلن قد أعلن. إلا ان العقدة الأساس في تسمية الأشياء بأسمائها وهي علة العلل التي يتكلم عنها الجميع. الفساد موجود ولكن اين الفاسدون؟

 

على مدى ما يزيد على ساعة ونصف الساعة تحدّث فضل الله حتى بحّ صوته وتعب. ليس التعب من كثرة الكلام هنا، بل ربما من المسؤولية الملقاة على أكتافه وفريق عمله. أطال الحديث وأسهب حتى جعلته الإطالة عرضة للانتقاد، ورغم كل ما قال وزاد في توصيف الواقع والارقام كان هناك من يسأله عن الأسماء مطالباً إياه، ومن باب التحدي، ان يسمي الاشياء بأسمائها. وغداً سيخرج على “حزب الله” من بين خصومه من يقول له أنت تغطي حلفاء لك في الفساد ولا ترفع الغطاء عنهم، لكن فضل الله تطرق الى هذه النقطة كما إلى غيرها من النقاط.

 

بدا من خلال جردة الحساب التي قدمها وكأنه يلقي بالمسؤولية الأولى على القضاء، ويحمّله المسؤولية اذا ما أغفل عن المحاسبة أو اقفل الملفات اكراماً لحسابات طائفية أو سياسية. بين سطور ما قاله تطايرت بعض السهام لتطاول الجسم القضائي حيث “بعض القضاة يُماطل أو يُخفي ملفات في الأدراج أو يتواطأ مع الفاسدين، ومسؤولية التحقيق معهم ومحاسبتهم تقع على عاتق هيئة التفتيش القضائية”، داعياً “مجلس القضاء الأعلى رئيساً وأعضاء إلى “الدفع باتجاه البت بجميع ملفات الفساد المقدمة للقضاء من أي جهة كانت وفي أي قطاع من القطاعات، بعيداً من أي استنسابية أو تسييس أو ضغوط من أي جهة جاءت”، ودعاهم “إلى انتفاضة حقيقية ضدَّ الفاسدين داخل الجسم القضائي وضدَّ أي تدخل سياسي في عملهم خصوصاً في مكافحة الفساد”.

 

أما المسؤول الآخر بعد القضاء، والذي حمّله فضل الله مسؤولية الإخفاق في مكافحة الفساد فهو مجلس النواب، الذي يتخلف عن إقرار تشريعات متعلقة بمكافحة الفساد في كل مرة تدرج فيها مثل هذه الملفات قيد المناقشة. وكان الفصل الأخير ما حصل مع مشروع قانون محاكمة الوزراء أمام القضاء العادي الذي تم ترحيله للنقاش داخل اللجان.لا محاكم ميدانية

 

 

 

في اتصال مع “نداء الوطن” يقول فضل الله: “البلد لم يعد يحتمل، وتصحيح الوضع بات واجباً لا سيما مع وجود فجوة مالية بـ63 مليون دولار. هل يجوز ان نسكت لاعتبارات طائفية ومذهبية؟ اذا كان “كورونا” خضع لمقياس الطائفية فما بالك بملفات الفساد، السكوت لم يعد ممكناً”.

 

في إطلالة فضل الله أمس، يكون “حزب الله” قد التزم بوعده الذي أطلقه قبل نحو عامين، مقدّماً إلى محكمة الرأي العام جردة حساب عن ملفات الفساد “بالحقائق والوقائع والمستندات”. منذ ما قبل حكومة الرئيس سعد الحريري الماضية بدأ فضل الله مع فريق عمل ضخم العمل على تجميع ملفات وحقائق وأرقام، وعمل شاق على الارض احياناً كملف الصرف الصحي المستجد كما ملف شركات المحروقات. “عشرة ملفات استلزمت منهم عملاً وجهداً مضنيين سلكت طريقها الى الجهات القضائية واجهزة الرقابة، المسؤولة أيضاً عن بلوغها المسار السليم في التحقيق والتدقيق وتحديد الجهات المسؤولة”.

 

منذ البداية أدرك “حزب الله” صعوبة الحرب التي يخوضها ضدَّ الفساد في لبنان “والتي هي في الواقع أصعب من الحرب مع الاحتلال الاسرائيلي، لتشابك التعقيدات الداخلية”، و”لأن الفاسدين لن يتركوا سلاحاً طائفيّاً أو مذهبيّاً إلَا وسيلجأون إليه وسيتحصنون بالحمايات السياسية لمنع محاسبتهم”. الامتحان صعب والملف فيه تراكم فساد ونهب للمال العام على مدى سنوات. فمن أين تكون البداية وكيف ستكون النهاية؟ وكالعادة، عند كل مؤتمر يخصصه فضل الله للحديث عن الفساد، يخلو الأمر من التسميات، ما يضع “حزب الله” في قفص الاتهام بمسايرة حلفائه وغضّ الطرف عن ذكرهم بالمباشر، لكن للأمر تفسيرات اخرى لدى فضل الله “يريدون منا التسمية على سبيل فشة خلق لكن الحديث عن الفساد فيه منهجية وقيم، كيف نقول عن فاسد بالاسم ولم يصدر بحقه حكم قضائي، وهل اقول فلان سارق وملفه لا يزال رهن القضاء؟”.في المقابل، لا يمكن أيضاً إنشاء محاكم ميدانية، ولن تكون لدينا محاكم ثورية بصلاحيات استثنائية، “ففي ظل نظام طائفي معقَّد سنحتكم إلى سلطة قضائية جرى تركيبها على مدى عقود من الزمن. تبوأ بعض قضاتها مواقعهم استناداً إلى تبعيتهم لسلطة سياسية سلبت القضاء استقلاليته، لتمرير مشاريعها ومنافعها، وقد تحالف بعض هؤلاء القضاة مع الفاسدين داخل تلك السلطة، بل كان أشد فساداً من السارقين أنفسهم، وفي المقابل كنَّا على ثقة أننا سنجد قضاة شجعاناً يلتزمون قسمهم ومستعدين لخوض هذه الحرب الوطنية ضد الفساد مهما كانت التبعات، وهم موجودون اليوم وسنكون معاً دفاعاً عن مال الشعب”.

 

ولأن مكافحة الفساد تتم من خلال القانون “بدأنا ورشة تشريعية، وقدمنا اقتراحات قوانين بعضها أقر في المجلس النيابي مثل تعديل قانون الموظفين بما يسمح بالملاحقة، وسعينا لإقرار قانون تعديل قانون المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بما يرفع الحصانات عن الوزراء، لكن لم يمر في آخر جلسة تشريعية لاعتبارات غير مفهومة، ولو أقر، لكان هناك وزراء سابقون أمام قضاة التحقيق اليوم”.

 

وإذ أكد ان الهدف “إعتبار الحرب على الفساد قضية وطنية وليس تسجيل نقاط أو الانتقام أو تصفية الحساب” التزم “عدم التشهير بأحد ممَّن عليه شبهات فساد، أو ممَّن وردت أسماؤهم في الملفات التي قدمناها للقضاء، فأسماء هؤلاء الأشخاص من وزراء وموظفين ومتعهدين كبار ومؤسسات صارت في عهدة القضاء، وعليه وحده تقع مسؤولية تحديد من هو المتهم ومن هو البريء، والقضاء هو من يحكم على الفاسد ويسوقه إلى السجن، فلسنا نحن أو أي جهة أخرى من يحقِّق، ويُصدر الأحكام”، واضعاً “الكلام عن ضرورة تسميتنا للفاسدين هو من باب المزايدة أو محاولة تسجيل النقاط أو لفشة الخلق”.

 

ماذا بعد كل ما قاله وقدمه للرأي العام كي يكون شاهداً على جهوده؟ يقول فضل الله: “هو مسار طويل وبعض الملفات سلكت طريقها فعلاً إلى القضاء كقطاع الاتصالات والمحروقات وملف المشاعات، أما ملف المحاسبة المالية فلا يزال عالقاً”. رغم كل ما قدمه، الا ان “حزب الله” يعتبر ان مكافحة الفساد مسؤولية جماعية “يجب أن تساهم الناس معنا في مكافحتها وفضح الملفات المتعلقة بها كي نحقق النتائج المرجوة”.