هكذا، وبكلّ بساطة، يقرِّر وزير الصحة حسن حمد أنّ ضحايا جريمة تفجير مئات الأطنان من نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت سقطوا «قضاءً وقدراً»، واضعاً نفسه مكان المحاكم ومختصراً كلّ التحقيقات ومختزلاً جميع الفرضيات، مرتدّاً نحو النظرية الأكثر قبحاً وبلادة واستهانة بمشاعر أهالي الضحايا خصوصاً واللبنانيين بشكلٍ عام.
الفارق بين جريمة تفجير المرفأ وبين جريمة انتشار الكورونا أنّ «النيترات والانفجار الحاصل والذين ماتوا، نستطيع أن نقول أن هذا قضاء وقدر، بينما الذين يصابون ويموتون بالكورونا فهذا يحصل بإرادتهم».من الأقوال المأثورة لوزير الصحة حمد حسن
ماذا يعني كلام الوزير حسن؟
لا يمكن اعتبار ما جاء على لسان وزير الصحة زلّة لسان، فمن الواضح أنّه أراد اعتبارها «نظرية عبقرية» تضع القتل بالنيترات مجرّد سوء تقدير أوقع ما يزيد عن 209 شهداء، مقابل اعتبار إهمال الإجراءات الوقائية من وباء الكورونا جريمة مشهودة.
هكذا يحوّلون الضحية مجرماً
المفارقة في كلام حسن إصراره على تحويل الضحية مجرماً، وتجاهل المجرم الحقيقي الذي أصرّ على فتح المطار مراراً أمام كلّ موجات الوباء، وهو يتلاعب بالإقفال والفتح ويضع كلّ أساليب الفوضى موقع التفعيل، وهو في موقع السلطة والقرار.
أما الجريمة الأخطر، فهي تمكّن الوزير من إنزال حالة القضاء والقدر على جريمة بحجم تفجير مرفأ بيروت، في تعبير واضح عن طريقة تفكير أهل السلطة تجاه هذا الحدث الجلل، وفي انعكاس لحقيقة تكفير «كبار» هذه السلطة التي تعمل على تفكيك القضاء اللبناني برمّته للنجاة من تداعيات الانفجار الجريمة.
من يراقب ما يجري في الجسم القضائي منذ اللحظات الأولى للتفجير عندما وضعت الحكومة نفسها مكان القضاء وأعلنت أنها ستصل إلى نتائج وتعلنها للرأي العام خلال خمسة أيام، ثم تقاذف المسؤوليات والاتهامات، إلى أن تقدّم الوزيران السابقان غازي زعيتر وعلي حسن خليل بطلب نقل دعوى تفجير المرفأ من المحقق العدلي القاضي فادي صوّان.
سلطة تحطيم العدالة
يتكاتف أركان السلطة على تحطيم ميزان العدالة، بدءًا من الغرفة السوداء ذات اللون البرتقالي، وليس انتهاءً بالحملات العلنية التي شنها الرئيس نبيه بري على القاضي صوان، ومع تحويل التحقيق العدلي إلى ساحة نزاع وتوظيف سياسي، طلب القاضيان في هيئة محكمة التمييز فرانسوا الياس ورولا مسلّم تنحيتهما عن النظر في طلب نقل دعوى تفجير المرفأ من المحقق العدلي القاضي فادي صوّان، ليدخل التحقيق مرحلة جديدة من التمييع والتشتيت، ولتنتهي المسألة بنظرية القضاء والقدر.
مآثر الوزير الشريك
الوزير حسن عليه أن يتذكر أنّه وزير في حكومة كانت تعلم بوجود أطنان نيترات الأمونيوم، وهو يمثل حزباً متهماً من شريحة واسعة من الرأي العام بأنّه يسيطر على المرفأ وغيره من مرافق البلد، وهو من الذين يتحمّلون المسؤولية، وخاصة بسبب الإهمال الذي يمكن اعتباره مقصوداً لجهة تغطية الطبابة لضحايا تفجير المرفأ أثناء وبعد وقوع الجريمة.
ومن عجائب وتصاريف الأقدار أن يتولى وزارة الصحة من يحمل ملفاً إشكالياً على المستوى المهني، ثم إنّه حوّل الوزارة إلى مرتع للممارسات المعادية لقواعد الصحة العامة، وهو صاحب نظرية لا داعي للهلع، وهو الذي يستمرّ في التنظير للتباعد الشخصي بينما يتنقل من دبكة إلى وليمة ومن رقصة بالسيف إلى تقطيع قوالب الحلوى.
الوزير الفيلسوف كما يُستقى من تغريداته الغريبة، عقد مؤتمراً صحافياً للإعلان عن قرض البنك الدولي لدعم المستشفيات في مواجهة وباء كورونا، والقرض لم يأتِ بعد، فضلاً عن المسرحية المبتذلة للمستشفى الميداني القطري في طرابلس وصور، وإخضاعه علانية لهيمنة «حزب الله» من خلال وضع أصابع وزير الإتصالات طلال حواط في ملف لا ناقة له فيه ولا جمل.. إضافة إلى القرارات المشبوهة المتعلقة بطرابلس وآخرها إقفال مبنى فندق «كواليتي إن» سابقاً بعد أن تمّ اعتماده لاستيعاب المرضى المحتاجين إلى الحجر بسبب وباء كورونا.
ولا يمكن استعراض فضائل الوزير الهُمام من دون استذكار مآثره في إدخال الدواء الإيراني إلى لبنان، خارج الشروط والقواعد العلمية المعتمدة في الوزارة وعلى المستوى الدولي، فضلاً عن كارثة فقدان الأدوية والأداء الاستعراضي الذي يظهر اقتحام بعض المستودعات من دون محاكمة الضالعين في مافيا الدواء.
كثيرةٌ هي عوامل وأسباب الإدانة للسلطة الحاكمة بأحزابها ووزرائها، فالمستولون على مراكز القرار يتصرّفون بوقاحة ما بعدها وقاحة، ويجلسون على كراسيّهم يراقبون مآسي الناس ويعلّقون عليها كما لو أنّهم يشاهدون مباراة رياضية، وهم يعلمون تمام العلم أنّهم بأيديهم يقترفون جريمة قتل جماعية للشعب اللبناني.
كانت السمة الأبرز لحكومة حسان دياب أنّها حكومة الفشل الذريع، فكلّ وزير فيها له بصماتُه في تقديم أشنع أساليب الإدارة والحكم، من المال إلى الاقتصاد، ومن الإعلام إلى الدفاع والاتصالات وصولاً إلى الصحة.. لكن أن تكون فاشلاً ومتفلسفاً فهذه الطامّةٌ الكبرى.