Site icon IMLebanon

من قتل حسّان اللقيس.. ولماذا؟  

 

 

الإعلان عن إطلاق المسيّرة «حسّان» التي قيل إنها اخترقت أجواء فلسطين المحتلة… أعادت الى الأذهان اغتيال القيادي في حزب الله حسّان اللقيس أمام منزله في الحدث.

 

قصة «المسيّرة» أعادتني الى لقاء تلفزيوني حصل بين أمين عام الحزب العظيم يرافقه حسّان اللقيس جمعهما بالإعلامي جان عزيز على شاشة الـ O.T.V. يومذاك وبعد انتهاء اللقاء، دُعِي الجميع الى مأدبة عشاء… وهناك تلقى الأمين العام  مخابرة هاتفية، فتغيّر لونه، واعتذر عن البقاء لتناول الطعام وغادر مع اللقيس المكان على وجه السرعة.

 

وفي الليلة نفسها، وبعد أربع ساعات تقريباً، وعند منتصف الليل (الساعة الثانية عشرة) اغتيل حسّان اللقيس أمام منزله… فهل كانت المخابرة من جهة معيّنة تخبر الأمين العام بأنّ إسرائيل اكتشفت موقعهما؟ وهل هي إسرائيل التي تابعت خطوات اللقيس حتى منزله ثم قتلته؟..

 

لقد قيل الكثير عن حسّان اللقيس.. فقد كان قائداً ميدانياً غير معروف حتى لجمهور الحزب العظيم، وهو مسؤول عسكري وعن توجيه الاتصالات كي لا تستطيع اسرائيل كشف مكان المقابلة التي كان يجريها، وكان مُقرّباً من السيّد حسن نصرالله. كما كان اللقيس يقوم بالتنسيق مع القيادة العسكرية السورية بشأن المعارك التي جرت في سوريا.

 

قبيل عملية الاغتيال كان حسّان هولو اللقيس مجتمعاً بالسيّد حسن، ثم اعتذر مع الامين العام عن متابعة مأدبة العشاء بحجة ضرورة أمنية. وبعد حوالي أربع ساعات… تعرّض اللقيس لإطلاق نار من أسلحة كاتمة للصوت بعيد ركنه سيارته في الطبقة السفلية من المبنى الذي يقطن فيه.

 

وكثرت التحليلات وتعدّدت الآراء حول اغتيال اللقيس… فمَن قتله.. وكيف؟ ويمكن حصر هذه الآراء بما قيل يومذاك بالأمور التالية:

 

أولاً: تبنّت مجموعة أطلقت إسْماً لها «لواء أحرار السنّة في بعلبك»، في تغريدة لها على «التويتر» يومذاك مسؤوليتها عن عملية الاغتيال.

 

ثانياً: الحزب العظيم وجه أصابع الاتهام لإسرائيل. إشارة الى أنّ هذا الاغتيال هو الأول لمسؤول في الحزب العظيم منذ مقتل قائده العسكري عماد مغنية بتفجير في دمشق عام 2008… واتهم الحزب العظيم في حينه كذلك، إسرائيل بالعملية.

 

ثالثاً: لقد استرعت عملية الاغتيال للقائد الميداني حساّن اللقيس انتباه المراقبين… فعمليات اغتيال قادة الحزب العظيم تعدّدت وبأسلوب مُتّقَن ودقيق.

 

ألف- عندما اغتيل الأمين العام السابق للحزب العظيم عباس الموسوي مطلع التسعينات حلّ محله الأمين العام الحالي السيّد حسن نصرالله الذي وحّد الحزب بعد انقسامه.

 

باء- هنا حلّ مكان الرعيل الأوّل، جيل مثقف على مستوى عالٍ من التفوّق العلمي، بارع في الانجازات والابتكارات ومن هؤلاء حسّان اللقيس.

 

رابعاً: إذا سلّمنا جدلاً، بأنّ إسرائيل هي التي قامت بعملية الاغتيال فكيف استطاعت اسرائيل أن تتّبع خطوات وتنقلات اللقيس، ومعرفة مكان اجتماعه بالأمين العام، وفي أي وقت خرج… ومتى وصل الى منزله؟ الأمر يعكس وجهة نظر لا يجوز إغفالها، وهي ان إسرائيل نجحت في اختراق جبهة المقاومة ووصلت بالفعل الى معلومات تستطيع أن تستغلها في أي أمر تريده.

 

خامساً: عملية الاغتيال كانت منظمة تماماً. لقد استخدمت المجموعة المنفّذة مسدسات من عيار 9 ملليمتر، مع كاتم للصوت. ونجحت باصطياد الهدف بـ7 رصاصات لم يُعثر إلاّ على أربع مظاريف منها، علماً أنّ عملية التصويب على الهدف تخللتها أخطاء جدّية في عالم الاغتيال. والدليل ان رصاصات عدّة، أصابت سيارة اللقيس وأخرى أصابت الحائط.

 

سادساً: هذا يعني ان إسرائيل أرادت من خلال العملية أن تعلن انتصارها لوجيستياً… وإيصال رسالة انها تعرف مكان الأمين العام ويمكن أن تقضي عليه متى تشاء لكنها تريده حياً ليقود الحزب الى ما ترغب به إسرائيل.

 

سابعاً: إسرائيل أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك – في حال ثبت انها هي «قائدة» الاغتيال وهذا هو المرجّح انها نجحت في المراقبة والترصّد وتعقّب اللقيس وملاحقته… وهذا برأيها أعطاها القدرة على تعقّب كل هدف تريده، والقضاء عليه رغم كل ما قد يتخذه هذا الهدف من احتياطات.

 

ثامناً: ان عملية اغتيال اللقيس، هي من ضمن أهداف عمليات «تصفية الأدمغة»، وهي باتت في عمق نشاط المؤسّسات الأمنية الاسرائيلية، منذ خمسينات القرن الماضي، ضد العقول اللامعة في الأنظمة والحركات المسلّحة المناوئة لها.

 

أ- لقد استعملت إسرائيل هذه الخطة حين أقدم الموساد على قتل رئيس الاستخبارات العسكرية المصرية مصطفى حافظ عام 1956 عبر استخدام طرد مفخّخ.

 

ب- عمليات اغتيال القادة الفلسطينيين خليل الوزير وصلاح خلف وعماد عقل وفتحي الشقاقي وصلاح شحاده وغيرهم.

 

تاسعاً: يقترن اسم اللقيس بتطوير الطائرات المسيّرة، وكان مولعاً بالتكنولوجيا العسكرية وبمتابعة أحدث المعدّات القتالية، ما دفعه الى إيلاء مثل هذه الطائرات اهتماماً كبيراً، وذلك في وقت مبكر.

 

عاشراً: نجحت اسرائيل ولا شك أيضاً بالاستفادة من ثغرات سهّلت عملية التنفيذ، ومن «ثقوب» محتملة في تدابير الحماية والوقاية لدى الحزب العظيم..

 

وأخيراً، فإنّه وإن كان الميل الى الجزم بأنّ الجهة المسؤولة عن الاغتيال هي اسرائيل… يبقى السؤال عما إذا كان الموساد قد تولّى مباشرة تنفيذ عملية الاغتيال، أم انه استعان بأدوات محلية، باعتبار أنه سبق للموساد أن ارتكب بنفسه جرائم مماثلة، من نوع اغتيال كلٍّ من غالب عوالي وعلي حسن صالح ومصطفى بدر الدين ويمكن القول أيضاً أنّ ثلاثة عوامل أفضت الى حسم التورّط الاسرائيلي في عملية الاغتيال وهي:

 

– طبيعة الهدف

 

– طريقة التنفيذ

 

– المطاردات السابقة للهدف.

 

ونشير بالتالي الى ان «إسرائيل» في حال تنفيذها لعملية الاغتيال استخدمت «كاتم الصوت» في عملية الاغتيال، بدل العبوات الناسفة، وكأنّ العدو أراد من خلال هذا الاسلوب أن يوحي بجرأة في نمط الاستهداف، وثقة في القدرة على تحقيق الهدف، الى جانب فتح الباب أمام اجتهادات وتأويلات في ما خصّ هوية الجهة الفاعلة.

 

ومهما قيل عن عملية الاغتيال هذه، فإنها قد تكون رسالة الى مسؤولي الحزب العظيم ومحور الممانعة بأنّ تلك الجهة المنفّذة قادرة على الوصول الى أي شخص… وبخاصة في اختيار اللحظة المناسبة، فقد اغتيل اللقيس قرابة الثانية عشرة منتصف الليل، علماً أنه لا يقيم بشكل دائم في هذا المنزل، وإنما يتردّد عليه من حين الى آخر.

 

إنّ منفّذي عملية الاغتيال استفادوا من الواقع الجغرافي لتنفيذ عمليتهم بشكل خاطف، ثم الانسحاب السريع، عبر البستان المجاور ومنه الى الشارع العام. وهذا ما يثير التساؤلات حول قدرة اسرائيل في تنفيذ عمليات اغتيال أخرى…

 

فهل وصلت الرسالة؟