لم نقرأ ردّاً واحداً دقيقاً وبالأحداث على كلام حسن نصرالله أمين عام حزب الله يوم الجمعة الماضي، في إطلالة لا هدف لها سوى التحريض على المملكة العربيّة السعودية، حتى من السعوديّة لم نقرأ إشارة إلى العام 1926 الذي حدّده نصرالله في خطابه مرفقاً بتزوير تاريخي كبير لأحداثه فقال محرّضاً: «بعدما سيطر عبد العزيز آل سعود ـ يعني الملك المؤسس ـ على بلاد الحجاز، وفي سنة 1926 في شهر نيسان، مثل هذه الأيام سبحان الله، قام أتباعه الوهابيون، انطلاقاً من ثقافتهم ومن فكرهم، بتهديم كل الآثار الدينية والتاريخية لرسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) باستثناء القبر(…) خرجت الصرخة في العالم الإسلامي، قامت القيامة في مصر، وفي الهند، وقتها كانت باكستان ما تزال جزءاً من الهند، لم تكن منفصلة، وتركيا، إيران، العراق، بلاد الشام، والدول الإفريقية، كل العالم الإسلامي، بات هناك ضجيج هائل»!!
للمناسبة يا سيد حسن؛ من أعطاك هذه المعلومات لا يبدو أنه متمكن من عمله، بل وأعطاك معلومات خاطئة جداً، وورّطك في هذا، فالعالم الإسلامي قام ولم يقعد ففي آذار العام 1924 وعلى أثر قيام مصطفى كمال أتاتورك بإلغاء الخلافة الإسلامية عام 1924 فاضطرب العالم الإسلامي، وتصاعدت من بعض أقطاره دعوات تنادي باستمرار الخلافة، ومبايعة خليفة جديد، وتجاهلك للتاريخ لا يلغيه أبداً، أما العام 1926 واثر دعوة من الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود لعقد مؤتمر إسلامي عالمي في مكة المكرمة، للبحث في شؤون المسلمين، واقتراح سبل توحيد كلمتهم، والنظر في مختلف المشكلات الإسلامية، ولم تكن الخلافة مدرجة في جدول أعماله، ولبت الدعوة أقطار إسلامية كثيرة، وبدأ المؤتمر جلساته يوم 26 ذو القعدة 1344هـ الموافق 5 حزيران 1926…
يا سيّد حسن؛ حديثك «الضخم» عن الهند، وشكرك للإمام شيخ الأزهر بكلام تضليلي وضعته موضع «حماية القبر الشريف لرسول الله صلوات الله عليه، فمردود عليك جملة وتفصيلاً، لأنّ الحقيقة الكاملة موجودة في مذكرات المؤتمر الإسلامي الذي انعقد في مصر في شهر أيار من العام 1926، رغبة من الملك فؤاد الأول في إعلان نفسه خليفة المسلمين، فاستعجل عقد مؤتمر في مصر قبل عقد المؤتمر في مكة المكرّمة الذي لم يتطرّق بنص مقرارته لموضوع الخلافة، والذي قال الملك عبد العزيز فيه تحديداً: «ان موضوع الخلافة لا يعنيه»، وانتخب المؤتمرون يومها أكبر الأعضاء سناً للرئاسة الموقتة، عبدالواحد الغزنوي أحد أعضاء وفد جمعية أهل الحديث الهندية وأصغرهم سناً المؤرخ اللبناني عجاج نويهض أفندي للسكرتيريا المؤقتة…
هذه هي أحداث العام 1926، كان إلغاء الخلافة قد هز المسلمين، ودبّ الصراع بين بعض من سعوا ليأخذوا بيعة الخلافة لأنفسهم وأولهم فؤاد الأول…
وكان هناك صراعٌ آخر قد حسم وانتهى بين الشريف حسين الذي سعى لإعلان نفسه ملكاً على الحجاز بوعد من الاحتلال البريطاني الذي خدعه، فأخرجه منها الملك عبدالعزيز ووحد المملكة، وحمى الحرمين الشريفين، وهنا لا بدّ أن نذكرك يا سيّد حسن، أنّ الشريف حسين قام بمنع أهل نجد من الحج، فكبر ذلك في نفوسهم وخصوصاً جماعة (الإخوان الوهابيّة)، فكان أن ترأس الملك عبدالعزيز في أواخر عام 1342هـ/ يونيه 1924 مؤتمراً في الرياض حضره علماء نجد ورؤساء القبائل والقرى وحصل الملك عبدالعزيز في هذا المؤتمر على فتوى شرعية، لشن الحرب على الشريف لضمان حرية أداء فريضة الحج، فصدر عن مؤتمر الرياض، قرار بغزو الحجاز كما وصلت الأوامر إلى قائدها سلطان بن بجاد بالتحرك نحو الطائف، وهنا لا بدّ لنا من لفتك إلى حادثة تاريخيّة مهمّة هي التي كانت سبب تفجير العلاقة بين الملك عبدالعزيز والملك فؤاد، وهي حادثة شهيرة عرفت باسم «حادثة المحمل المصري»، عسى تجد خلاصة مؤتمري العام 1926، وتستند إلى وقائع حقيقية عندما تخاطب الجمهور وفي نيتك إشعال حرائق على طريق الرسوم المسيئة بالحديث عن هدم القبر الشريف، «بدك ما تواخذنا يا سيد»، الحمد لله أننا شهدنا زمن العمل الدائم على تطوير الحرمين الشريفين وخدمة الحجيج إليهما، وبالمناسبة أيضاً يا سيد حسن، المملكة العربية السعودية لا تأخذ أموال المسلمين الحجاج، ولا أعرف إن كنت قد سمعت بأن المملكة هي كبرى الدول النفطية ومن أثرى أثريائها…
وأترك قضية المحمل المصري لهامش الغد، ونلحقه بهامش بعد غد في «نبش القبور» الذي استخدمه نصر الله ليحرك مشاعر سامعيه، فنتناول أصحاب التاريخ الحقيقي في نبش القبور وإخراج الموتى وصلبهم وإحراقهم حتى لو دفنت رفاتهم في مجرى نهر!!