IMLebanon

كما حافظُ الأسد كذلك نصرالله!

 

 

يدخلُ السيد حسن نصرالله شيئاً فشيئاً في الباب الذي وصل إليه الرئيس السوري حافظ الأسد مع الإعلام. فمؤتمر القمّة العربي الذي كان يحدَّد موعده من سنة إلى أُخرى، كانَ يبقى معلّقاً على الغيب إلى أن يعلن الرئيس حافظ الأسد حضوره، ويبقى ذاك الحضور معلّقاً على الغيب مرة أخرى حتى يُعلن ساعة وصوله إلى البلد المضيف. وفي البلد المضيف كانت تجري «تحرّكات» استخبارية (تحدّثت عنها مذكرات أجنبية!) كأنْ يؤخذ من بَوْل الأسد إذا دخل إلى حمّام، كما تُدرَس مشيَتُه وجلستُه وطريقة نُطقِه وحجم عبستِه ومستوى ضحكته إذا ابتسم، فإذا فرَغ المحلّلون من «هذه» الأساسيّات، انتقلوا إلى أساسيّات أُخرى هي مضمون خطابه وقياس العبارات، والمعاني، ما منها للصديق وما منها للعدوّ، ومن ثنايا الكلام كان يتم سحبُ عيّنات أفكارٍ لمستقبل قريب أو بعيد يفكّر به حافظ الأسد!

 

منذ السابع من تشرين الجاري ومع عملية «طوفان الأقصى» والحرب الإسرائيلية المتفلّتة من كل أخلاقِ حربٍ سابقة في الحاضر أو حتى في تاريخ المجازر والمذابح (ثمانية آلاف شهيد في عشرين يوماً، وخمسون ألف جريح، وعشرون ألف مفقود، وتدمير أربعين في المئة من مدينة غزّة!) ينشغل الإعلام المحلّي والعربي والعالمي والإسرائيلي حول متى سيطل السيّد حسن نصرالله وماذا سيقول وهل سيطلق شرارة دخول لبنان في الحرب عميقاً بما يتجاوز «الضربات» التذكيرية الأخيرة…

كأنّ كل تصاريح رؤساء العالم من بايدن إلى ماكرون إلى زعماء ضائعين إلى تلميحات بوتين إلى ألْغازِ الصين إلى نتنياهو وخصومه ورفاقهِ، كأنها كلّها فارغة من أي معنى أو طرح ومحشوّة بالورق، ولا أمل في معرفة ما يجري في قطاع غزّة والعالَم أو بعض ما يجري، إلّا إذا تكلّم السيد حسن نصرالله!

 

طبعاً يعرف نصرالله كثيراً عن هذه الحرب، وعن مداها، وعن مستقبلها ربّما، أكثر مما يعرف قادة العدو الذين يتلهّون بالبُعد السياسي الداخلي وهو مهاترات، و«خناقات» قبضايات «وزارات معنِية»، ومزايدات وينسون المنطقة وبلدانها «المحشورة» رغماً عنها في المعمعة، لكنّ المستهجَن أن كل ما قيل وما يقال كان للبيع كخردة لا أكثر، وبات نافلاً ولا يضيف إلى مشهدية التدمير الصهيوني حرفاً يترجمها أو يكشف الغيهَب النفسي الذي وقعت في إسرائيل فانخطف لونها وأمنها وصوابها ولجأت إلى التدمير الذي يعكس أزمات سياسية وعسكرية وأخلاقية في الدولة العِبرِية ومجتمعها من فوق ومن تحت أكثر مما يقدّم ردّاً على «حماس» وعمليتها. وبما أن المقاومة اللبنانية معنيّة بالأمر تماماً ، فأن انتظار كلام السيّد حسَن يصبح ملجأ أخيراً للجميع أو مَنْوَراً لفهم بعض ما حصل وما يحصل واستدراك بعض ما قد يحصل إذا كان ذلك متاحاً.

من هذا المنطلَق وزّع إعلام المقاومة مشهداً لثوانٍ معدودة يعبر فيه السيّد حسَن نصرالله أمام الكاميرا، ما أوحى أن إطلالته التلفزيونية باتت قريبة، وتحملُ كل جديد، سواء على صعيد الحرب ككل في فلسطين المحتلّة أو دور لبنان المقاوِم ولماذا تم الاكتفاء بالمناوشات على الحدود وقد أُزهِقت أرواح شهداء فوق المتوقَّع أو المرتقَب. وإذا كان عالم الشرق والغرب يصدّق نصرالله ويعترف بقدرته على قراءة الواقع والمستقبل من خلاله، ويُنصِت جيداً إلى تهديداته لا الكَرتونية كتهديدات مسؤولي إسرائيل «بمَسح» لبنان و«مَحو» غزّة، بل الجدّية والمحسوبة بالسنتم… فمعنى ذلك إن الضبابية التي بدأت تفرض ذاتها على المعطيات والمواقف في إسرائيل، فضلاً عن انكشاف العرب على تخاذل لم يسمح لهم حتى… بفتح بوّابةِ مساعدات من دون جواز مرور إسرائيلي، بالإضافة إلى «انتباه» شعوب بعض دول العالم إلى انجرار قياداتها خلف الضّبع الأميركي، ومواجهة ذلك بالتظاهُر السلمي والإنساني الذي لا تفهمه إسرائيل ولا أميركا… كل ذلك سيكون في لقاء السيّد حسَن المرجّح أنه… وراء الأبواب.

ما يُقَدَّر للمرحلة المقبلة، كبير جداً، وإذ ندقّق في بعض فرضيّاته نكشفُ أن إسرائيل لن تكون إسرائيل التي نعرفها قبل عملية «حماس»، وجيشُها لن يكون جيشَها إياه، والمقاوَمة – وهذا هو المهم – ستتخلّص من تُهَم العرَب (لا الأجانب!) بالإرهاب ، وقد ندخل عالَماً عربياً آخَر، على الصعيد الشعبي، ذلك أن الصعيد الرسمي سيبقى وقتاً طويلاً منشغلاً ببوّابة المساعدات، يفتح ويقفلُ ويقفلُ ويفتحُ واللاعبون يتفرّجون!

هل لدى السيّد حسَن شيء آخَر؟