لا تتصوروا أن هموم السيّد تقتصر على منطقة دون أخرى، وعلى طائفة دون أخرى. عيناه في كل لحظة، على كل طفل وعلى كل حبة تراب في لبنان. اذ يدرك ما معنى وما تأثير ابادة أهل غزة أو ترحيلهم بالنسبة الى لبنان، بل والى سائر أرجاء المنطقة العربية. يدرك أيضاً أن من الأولويات التوراتية الغاء الدولة في لبنان، بل والغاء لبنان…
“الاسرائيليون” الذين فاقوا بهمجيتهم كل همجية أخرى في التاريخ (بمشاركة كل من الأميركيين والأوروبيين)، سيضربون مناطق مختلفة من لبنان في حال اندلعت الحرب، للتعبئة السياسية والطائفية ضد حزب الله، ودفع الأهالي للتحرك ضده بالوسائل كافة .
الولايات المتحدة شريكة في الحرب، لخلفيات ولأغراض اختزلها بكلمات قليلة لويد أوستن في الكونغرس: “ان معارك اليوم ستحدد الأمن العالمي لسنوات مقبلة”. المسألة تتعدى اذاً الدفاع عن “اسرائيل”، الى مسائل ذات حساسية استراتيجية على المستوى الدولي.
لنأخذ علماّ بدقة وهول المرحلة. ثمة أسطول بامكانات هائلة على مقربة من شواطئنا، فيما يوحي وزير الدفاع الأميركي بأن المنطقة ستكون مسرحاً لشيء ما تكون له تداعياته على الأمن العالمي، من خلال احداث تغييرات جيوسياسية في خارطة الشرق الأوسط .
لاحظنا لدى متابعة استجواب أوستن في الكونغرس تركيز “السيناتور الأكبر” (The Senior Senator ) ليندسي غراهام على حزب الله، وما يمكن القيام به، وما اذا كانت الولايات المتحدة ستضرب ايران…
أمام السيد حسن نصرالله كل التفاصيل، وكل الاحتمالات التي من بينها ضغط اللوبي اليهودي على ادرارة جو بايدن للذهاب بالصراع الى حدوده القصوى. نستنتج ذلك مما كتبه دنيس روس، بدوره الهام داخل اللوبي، وهو الذي كان يضع نجمة داود في مكتبه حين كان في وزارة الخارجية، وأوفد مرتين الى الشرق الأوسط، ومما يصدر عن الباحثين في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
حين يقولون باجتثاث أي اثر للمقاومة في القطاع، والتعاون مع تماثيل القش في السلطة الفلسطينية، يذهبون الى الأبعد. تحديداً الى المقاومة في لبنان.
رأي روس يتقاطع مع رأي الذئاب في “اسرائيل”، الذين يرون أن الحرب الآن أقل صعوبة وأقل تعقيداً مما يمكن أن تكون عليه “غداً”، باعتبار أن قدرات المقاومة تزداد يوماً بعد يوم، فيما لا يمكن التكهن بنتائج التصدع في البنية السياسية “الاسرائيلية”، والتي تزيدها حدة الثغرات التي تواجه المؤسسة العسكرية…
انظروا الى المهزلة الأميركية وسط هذا الموت العربي. اذ تقطع بوليفيا، وهي في آخر الدنيا، العلاقات مع “اسرائيل” احتجاجاً على التنكيل الدموي، لا تتجرأ أي دولة عربية (وبالعصا الأميركية) على المس بهذه العلاقات.
أنتوني بلينكن الذي صرح بأن وقف المعارك الآن سيزيد من قدرة حماس عل تكرار هجماتها، اتصل باسحق هرتسوغ، بصلاحياته الشكلية، لا ببنيامين نتنياهو، للتعامل مع غزة بالحد الأدنى من العنف. الحد الأدنى الذي يعني ازالة أحياء ومخيمات بأهلها من الوجود.
هذا ما يمكن أن يحل بلبنان الذي بحاجة الى ترسانة حزب الله من أجل حماية أهله وأرضه. كأولوية قصوى لا تقبل الجدل. ابان الحرب مع النازية، قال ونستون تشرشل “ان مهمتي الآن ادارة الوعي”. الوعي بالوقائع وبالامكانات وبالاحتمالات. حتماً الوعي بالنتائج، مع اعتبار وجود قوى داخلية لبنانية وغير لبنانية، تدار من قبل اجهزة استخبارات متنوعة ومعادية كلياً للمقاومة.
نعلم أن المقاومة دمرت كل أجهزة المراقبة عند الخط الأزرق وما وراءه، وهي الأجهزة التي باستطاعتها الدخول الى كل بيت في لبنان. “اسرائيل” باتت نصف عمياء لأن مئات الأقمار الصناعية بتصرفها.
الدمار سيكون مروعا في “اسرائيل”، ولكن ثمة من هو جاهز لاعادة الاعمار. ولكن هل تبقى “اسرائيل” كما كانت؟ الآن ليست كما كانت. الدمار في لبنان سيكون جحيمياً أيضاً. النتيجة قد تكون زوال الدولة بل وزوال لبنان.
السيد نصرالله، بالعبء الهائل على منكبيه، يعرف كيف يكون رجل المرحلة، ليس فقط لكل لبنان، لكل العرب…