مع غياب أمين عام حزب لله السيد حسن نصرلله تغيّر المشهد السياسي في لبنان وفي المنطقة بدون أدنى شك، فبعد السيد لن يكون كما قبله وبالتالي فإن الغياب سيكون له تأثيره ليس فقط على الحزب وجمهوره بل وعلى كل أهل البيت من المحيط إلى الخليج. والسؤال المطروح لا يتعلق فقط بعملية الاغتيال التي قام بها العدو الصهيوني، بل هنالك أكثر من سؤال يتعلق بالأحداث التي سبقت ورافقت الاغتيال والتي ربما أدّت إليه. فالسيد ليس إنساناً عادياً أو قائداً أو زعيماً تستطيع الأمة إنجابه كل ردح من الزمن. ولقد فهم العدو هذه المعادلة، وفهم القيمة الحقيقية لسيد المقاومة ودوره الفذّ في القيادة وقدرته الفريدة على مد الجسور، واستحداث المعادلات إنطلاقاً من سوريا والعراق واليمن وصولاً إلى بلاد العجم، وليس هذا فحسب فالدولة العبرية قد فهمت تأثيره ليس فقط على الشارع اللبناني والعربي إنما أيضاً على الشارع اليهودي، الذي يتابع كل خطاباته ويأخذها على محمل الجد ويتصرف على هذا الأساس. وقد كان نصرلله القائد والقدوة التي شكّلت روح المقاومة والتي بدونها لا تستطيع المقاومة من الاستمرار في خطها النضالي نحو الهدف الذي يرسمه لها الأمين العام. كل هذا أخذه العدو بعين الاعتبار وهو ما دفع به للقيام باغتياله لأنه اعتقد أن اغتيال نصرلله يعني وبكل بساطة اغتيال الحزب والقضاء على المقاومة، فهل تطابقت حسابات الحقل مع حساب البيدر؟ وهل استطاع العدو تحقيق كل مآربه من عملية الاغتيال؟
المقاومة شغّالة حتى بغياب القائد
لقد أثبتت مجريات الحرب في الأيام القليلة الماضية أنه وبالرغم من عمليات القصف الوحشي، واستهداف مختلف قادة المقاومة وعلى كل المستويات، وكل المجمعات السكنية التي قد تشكّل المسكن والملجأ لهؤلاء القادة، وذلك بغض النظر عن الضحايا المدنية التي تسقط مع هذه الاستهدافات، فباتت الضاحية هي المكان الطبيعي للقصف والتدمير، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل تعدّاه إلى أماكن أخرى من الجنوب والبقاع والشمال مرورأ بجبل لبنان، وأصبحت أية معلومة على مواقع التواصل تشير إلى وجود مسؤول، حتى لو كان مرافقاً أو سائقاً في هذه البلدة أو تلك تؤدي إلى استهداف البلدة وتدمير الأبنية وترويع الآمنين فيها. إذن بالرغم من ذلك وبالرغم من إعلان إسرائيل عن البدء بعمليات الاختراق والتوغل انظلاقاً من الجنوب فإن رجال المقاومة ما زالوا يتصدّون للدخول البري وهم يسطّرون بطولات تثبت مرة أخرى أن الأسلحة ليست وحدها هي من تقرّر مصير المعركة، وإنما صلابة المقاوم وعقيدته القتالية وإيمانه بأرضه وشعبه، هي التي ستقرّر مصير الميدان وهي التي ستقرّر نتيجة المعركة، وتحدّد الرابح والخاسر وذلك بغض النظر عن الخسائر البشرية والمادية. فالمعركة التي تشنّها إسرائيل هي بالتأكيد معركة غير متكافئة، يزجُّ فيه العدو بأحدث الطائرات الأميركية والقذائف الصاروخية التي تتسبب بتدمير وحرق الأخضر واليابس، والتي يتبع فيها سياسة الأرض المحروقة التي تطاول الحجر والبشر، في محاولة لإخراج المقاومة من الجغرافيا الجنوبية ابتداء من الخط الأزرق وصولاً إلى شمال الأولي تمهيداً لاستكمال دخوله البري. وهكذا يتضح ومع صمود رجال المقاومة على الأرض فإن الجيش الإسرائيلي الذي يحقق تفوّقه الجوي وقريباً البحري لن يمكنه من وطأة الأرض التي يتواجد فيها المقاومون.
المطلوب الكفّ عن جلد الذات
يعتقد بعض «الغيارى» وهم في معرض إعطاء النصائح والمبررات، أنه كان على السيد فك ارتباطه بغزة وبالتالي فصل المسار اللبناني عن المسار الفلسطيني، وبالتالي لكان بإمكانه البقاء حيّاً هو وقيادة الحزب. هكذا وبكل بساطة وكأن نتنياهو بحاجة لعذر للهجوم على لبنان واحتلال جنوبه والسيطرة على المياه والغاز، بالتأكيد فإن أولئك لم يتابعوا رئيس وزراء العدو في الجمعية العامة للأمم المتحدة وصور الأشرار والأخيار التي حملها. ولكننا نقول أن السيد أخطأ لأنه كان عليه أن يكون مقاوماً عادياً وليس قائداً فذّاً، كان عليه أن يترك القدس التي تركها المقدسيون، كان عليه أن يكون دجالاً يضاف إلى جماعة الدجالين الذين باعوا فلسطين وباعوا القدس من بابها إلى محرابها، ربما كان عليه أن لا يحلم بالصلاة في المسجد الأقصى. لقد قام السيد بكل ما قام به من مقاومة ونضال وتضحية آملاً أن يبث روح النخوة والحمية في كل الذين كانوا يعتبرون فلسطين قضيتهم الأولى. ولكن لا حياة لمن تنادي، لقد بقي السيد وحيداً في الميدان ولن ينفعنا نحن من ممارسة «جلد الذات»، لا لم نخطئ وغداً ستنجلي الحقيقة لتظهر أن أطماع إسرائيل هي أبعد من الحزب وأبعد من الشريط الحدودي وهي تمتد للسيطرة على كل لبنان، هذا إن استطاعت وإن الميدان يبقى هو من يحدّد ذلك.