ليست المرة الأولى التي يحرج المسؤولون الإيرانيون بتصريحاتهم المتعجرفة “حزب الله”، ويتسببون له بمشكلة مع حلفائه اللبنانيين، في حديثهم عن أن سلاح الأخير بإمرتهم وله وظيفة تتعلق بتدخلهم في الصراعات المتمادية في المنطقة. فالحزب يجهد من أجل ترسيخ قناعات في العقل الجماعي للفئات التي تدين له بالولاء، والتي ترى فيه حليفاً ونصيراً لها في المعادلة الداخلية، لا سيما في الوسط المسيحي أي “التيار الوطني الحر”، بأن سلاحه للدفاع عن لبنان وليس عن إيران. ومع ذلك شدد في كلمته الأحد الماضي على “الوفاء” لدعم إيران للمقاومة من أجل تحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، وأدخل نفسه في مقارعة في الترجمة والمواربة في تفسير كلام قائد سلاح الجو في الحرس الثوري الإيراني أمير علي حاجي زاده.
سبق لمستشار المرشد يحيى صفوي أن قال إن بلاده تسيطر على 4 عواصم عربية هي بغداد وصنعاء ودمشق وبيروت، وأنها ليست المرة الأولى في التاريخ، التي تبلغ حدود بلاده شرق البحر الأبيض المتوسط. وسبق لقاسم سليماني نفسه أن اعتبر في العام 2018 أن حلفاء طهران حققوا الأكثرية في الانتخابات النيابية وحصلوا على أكثر من 70 نائباً في البرلمان. وغيرهم كثر من القادة الإيرانيين تعاطوا مع لبنان في لحظة مفصلية في المنطقة على أنهم يتحكمون به كميدان من ميادين قوتهم في الإقليم.
في كل مرة اضطر نصرالله لاستخدام ملكة اللغة من أجل نفي ما ينسب للجانب الإيراني، ولتأكيده في الوقت نفسه، مثلما حصل أول من أمس حين أصر على ربط علة وجود لبنان بوجود حزبه وبالدعم الإيراني له، بقوله “إذا يوجد أحد في الكرة الأرضية يحس أن لبنان له وجود على الخريطة فهو بسبب هذه المقاومة وهذه الصواريخ ونقطة على أول السطر”. وهو ألغى بذلك التاريخ والجغرافيا وأخضع منشأ التركيبة التعددية للبلد، متجاهلاً المعادلة الدولية والإقليمية التي رعت استمراره على مدى عقود، لمقياس واحد هو الدور الإيراني فيه. ومن الطبيعي أن يخضع قيام السلطة لهذا المنطق.
على مر السنوات، لم يجد الأمين العام للحزب حرجاً في التنقل بين التبريرات المختلفة لصواريخه وسلاحه، تارة لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وأخرى للدفاع عن المقدسات في سوريا، وثالثة من أجل محاربة الإرهاب هناك ورابعة لمواجهة السيطرة الأميركية على المنطقة وفي اليمن…ثم عاد أخيراً إلى إعطاء وظيفة أبدية للسلاح باعتباره وسيلة لضمان استخراج لبنان النفط والغاز من البحر “بفعل صواريخ المقاومة التي أعطتها إيران”. هل من مكان بعدها للقول إن “إيران لا تطلب لا من وكلائها ولا من أصدقائها شيئاً ولم تطلب منهم شيئاً؟”.
لم يعد نصرالله مهتماً بمخاطبة الجمهور الأوسع الذي صار يدرك أنه لم يعد مقتنعاً بتلك الحجج أمام التصريحات الإيرانية الخرقاء التي تتسبب باتساع ردود الفعل الرافضة لإخضاع لبنان لمقتضيات الصراعات الإقليمية التي تخوضها طهران والتي لا دخل للبنان فيها، خصوصاً في ظل الوضع الاقتصادي الكارثي الذي يمر فيه البلد والحاجة إلى مساعدات الدول. يئس “حزب الله” من إقناع حتى الجمهور الحليف وبات يكتفي بالتحدث إلى جمهوره ومناصريه، ولم يعد معنياً بتسويق مواقفه لدى الجمهور الآخر. وهو يتصرف على أن من معه معه، ومن ضده ضده.