من حق الأمين العام لـ”حزب الله” أن يقلق. صحيح اننا لا نرغب في رؤية توتّره منعكساً على حالة اللبنانيين المزرية ولا سماع حديث “الحرب الأهلية” و”الكليشنات”، لكن ما العمل اذا كانت تطورات المنطقة تنبئ السيد نصرالله بأن “زمان الأول تحوَّل” وأن الرهان على “ستاتيكو” يعطيه الاطمئنان صار مقامرة معلومة النهايات؟
لا شيء يزعج السيد نصرالله اكثر من اختلال في ما يرسمه للوضع الداخلي اللبناني يؤثر سلباً على مشروعه الاستراتيجي وعلى قدرته على أداء أدوار تتجاوز الساحة المحلية بوصفه لاعباً اقليمياً يُحسب له حساب. ولا شك في ان احتفاظه بكلّ عناصر قوته وهيبته على المسرح اللبناني هو أساس يتيح له، إضافة الى تحقيق الغلبة داخلياً، استخدام القوة في الملعب السوري وفي كل بقعة يحتاجها تحالفه مع ايران. لذا فإن “الاستقرار” الذي يرفع شعاره بوجه كل اللبنانيين عبر التخويف من هزّه والتذكير بأهوال “الحرب الأهلية” حاجة تخدم مصالحه، مع العلم ان “الحزب” مدرك أن لا شيء يقنع اللبنانيين بعد 17 تشرين بأن هناك ما يخسرونه بعدما أفقدتهم المنظومة الحاكمة كلّ ما قد يخشون عليه من الضياع.
ليس قليلاً العبء الملقى على عاتق السيد نصرالله. فهو موكلٌ كلياً أو جزئياً بتركيب عكّازين لرئيسين. كلاهما معزولان وشعبهما لا يريدهما، أو ان الاكثرية في سوريا ولبنان ترغب في أن يفسحا في المجال لبارقة أمل تأتي ممن يليهما. وبديهي أن ينوء بالحمل حين يفشل ساكن “قصر المهاجرين” في كسب معركة السلام رغم دعمه الهائل لتحقيق “انجازات” في الميدان، أو حين يتعرى ممثله في “بعبدا” من أي حليف داخلي ناهيك عن إفقاده “حزب الله” غطاء مسيحياً كانا يتدثران فيه.
لا يُقلق السيد نصرالله جدل “الثلث المعطل” ومستقبل جبران باسيل، فهو تخفَّف من حمله الرئاسي حين أصابت الصهر العقوبات، ولن يكرر ما يشبه خطيئةَ نُصحه بإلحاحِ بشار الأسد بأن يمدّد لإميل لحود. ما يشغله فعلياً هو ملامح عودة الوضع السوري الى طاولة مفاوضات الدول الكبرى وطرح مصير الأسد نفسه والتنازلات المتوقع أن يقدّمها للبقاء، مع ما يستتبع ذلك من أثمان على “الحزب” أن يدفعها بالمعيَّة والتكافل. وخلافاً لما يُروَّج، لن يريحه حتماً الانفتاح الخليجي على دمشق في ظل تراجع تركيا عن سياساتها العدائية، وتوقع وصول قطار “التطبيع” الى محطات اضافية، وتدشين فيصل المقداد نشاطه الخارجي العربي بزيارة سلطنة عُمان، ناهيك عن رسائل “الرفيق لافروف” الناقلة تهديدات اسرائيل.
يبدو الرهان على الوقت هذه المرة في انتظار المفاوضات النووية أكثر كلفة من ذي قبل وإتلافاً للأعصاب. فالوضع في سوريا مثل وضع لبنان، تجاوَز السيئ الى الاهتراء، وطبيعي ان يعيد انهيار العملتين والتفتيش عن اللقمة في القمامة بشوارع دمشق وبيروت أولويات الناس الى مكان لا يناسب رغبة المحور الايراني بمتابعة الاستثمار في الايديولوجيا والسلاح، ناهيك عن عجز المحور عن الاحتفاظ بمقوّمات وجوده حين يقرّر الكبار.
لا ذنب للبنانيين في وصول مشروع “حزب الله” الى طريقٍ مسدود في الاقليم ولبنان على السواء. هم لن يتراجعوا عن مشروع الدولة والحياد، وهو بالعودة الى لبنان والدولة قادر على اختصار طريق الآلام بدل التلويح بالتي “تنذكر ما تنعاد”.