إنها المرة الأولى التي يطلق الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله تفويضاً كاملاً من حزبه لرئيس البرلمان نبيه بري بالسعي لتشكيل الحكومة، كان في الأشهر الماضية يحاذر إعلانه، لحرصه على الإبقاء على شيء من التوازن بين الحليفين، بري والرئيس ميشال عون ومعه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل.
تجنب طوال المرحلة الماضية إظهار انحيازه لموقف بري من أزمة تأليف الحكومة، والذي هو مناقض لموقف عون وباسيل، وأقرب إلى موقف الرئيس المكلف سعد الحريري، بالتمسك به، وبالإصرار على حكومة اختصاصيين غير حزبيين لا ثلث معطلاً فيها للفريق الرئاسي الذي ناور جاهداً للحصول عليه في الحكومة، لتمكينه من التحكم بها، وسعى إلى التخلص من زعيم “المستقبل”.
حتى أول من أمس فضل الحزب إبلاغ موقفه بالتمسك بالحريري إلى عون وباسيل في الغرف المغلقة. هو مع الإبقاء على تكليف الحريري لأسباب عديدة أهمها تجنب تسعير الحساسية السنية الشيعية، الأمر الذي أظهر الحريري حرصاً مماثلاً على رفضه، في تواصله مع الحزب وفي مواقفه العلنية.
اندفاع الحزب لحسم تفويض بري، جاء بعد اجتماع بين قيادتي حركة “أمل” و”حزب الله” في الأيام الماضية جرى خلاله تقييم ما بلغه الوضع في البلد وضرورة إحداث اختراق ينهي الفراغ القاتل لأنه لم يعد يحتمل أمام التدهور المتسارع في أوضاع اللبنانيين المعيشية والصحية. تشكل هذه النقلة بالتفويض العلني لبري انضماماً إلى وجهة نظره بأن العرقلة الرئيسية للحكومة تأتي من الرئاسة وفريقها. رئيس البرلمان أبلغ النائب باسيل عقب الجلسة النيابية أنه مسؤول عن 80 في المئة من تخريب جهود التأليف. ونصرالله حسم الموقف من مسألة بقاء الحريري على رأس الحكومة مستنداً إلى التوصية – الموقف الذي صدر عن البرلمان السبت الماضي، وهو ما سبق لقيادة الحزب أن أبلغته إلى باسيل نفسه، ما يعني أن تفويض نصرالله العلني لبري هو إشارة إلى باسيل بأن تشكيل الحكومة يجب أن يرتكز على المبادئ التي أعلنها رئيس المجلس أكثر من مرة، من دون مناورات باسيلية للالتفاف عليها.
ومع أن نصرالله لم يعلق على الاقتراحات العونية، فإنه استبعدها حين تحدث عن طريقين لا ثالث لهما للتأليف: إما بالتفاهم بين الرئيسين، أو باستعانتهما بالرئيس بري. فاقتراح باسيل التعديل الدستوري لتحديد مهلة للرئيس المكلف، أو التلويح بالاستقالة من البرلمان من أجل انتخابات نيابية مبكرة تسمح بالتخلص من الحريري (الدستور ينص على حكومة جديدة عند نشوء برلمان جديد)، أو الدعوة إلى مؤتمر حوار وطني حول الحكومة والإصلاحات، يصادر صلاحية الرئيس المكلف بالتأليف عبر ابتداع صيغ تقضي بتسمية الكتل النيابية للوزراء، في وقت ينسف ذلك مبدأ حكومة الاختصاصيين غير الحزبيين، أفكار تفرض على الحريري طريقاً غير دستوري لاستيلاد الحكومة. الأفكار الثلاث تهدف إلى التخلص من الحريري الأمر الذي اعتبره نصرالله “غير واقعي وتضييعاً للوقت” وكذلك استقالة عون.
هل من ضمانة كي يبادر الحريري ويقترح لائحة جديدة، بألا تصده العراقيل الرئاسية مجدداً؟ الرئيس المكلف كان ينوي قبل أسبوعين المبادرة، ووعد البطريرك بشارة الراعي بذلك، حتى أنه عقد العزم على الاعتذار إذا لم تنجح مبادرته، لكن رسالة عون إلى البرلمان مع كل ما تضمنته من اتهامات استفزازية أثنته، وزادته اقتراحات باسيل شكوكاً بإمكان تسهيل مهمته.
يدرك بري الصعوبة التي تواجهه من جهة الفريق الرئاسي. فالحريري مع استعداده للمبادرة لن يغامر مجدداً، بأن يتقدم بلائحة محدثة، وأن “يجرجره” الفريق الرئاسي حول الأسماء ويعرضه للإهانات، كما سبق أن حصل في تسريب فيديو اتهام عون له بالكذب، ثم في إرسال لائحة إليه مع دراج كي يملأ الفراغات، وصولاً إلى دعوة البرلمان لسحب تكليفه.