Site icon IMLebanon

ما الشق الخطير في كلام نصرالله؟

 

 

لم يكن متوقعاً ان يخرج السيد حسن نصرالله عن حياده تلبية لدعوة النائب جبران باسيل له، ولكن ما الرسالة خلف النصيحة التي أراد توجيهها للقوى السياسية بأن لا تتعامل معه على قاعدة «أقبل ما تقبلون به لأنفسكم»؟

 

تعددت القراءات لتحكيم النائب باسيل للسيّد نصرالله في الملفّ الحكومي، وقد تكون القراءة الأكثر منطقية انه مع انتفاء الخيارات أمامه لكسر حلقة المراوحة في التأليف قرّر نقل المشكلة إلى حضن حليفه، خصوصاً انه يحمِّله مسؤولية وقوفه على الحياد الذي ساهم في تمسُّك كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلّف سعد الحريري بوجهة نظره، وبالتالي موقف باسيل ينمّ عن يأس ورد فعل، وسبب اليأس ان لا خيار أمامه سوى التفاهم مع الحريري والتجاوب مع المبادرات بتخفيض سقف شروطه، لأن لا الرسالة إلى مجلس النواب فعلت فعلها، ولا الدعوة إلى طاولة حوار ستتم تلبيتها، فيما المتضرر الأكبر من عدم التأليف هو العهد الذي شارف على انتهاء ولايته والبلد في أسوأ أيامه. وأما رد الفعل فمرّده إلى انّ «حزب الله» يقف موقف المتفرِّج على العهد المتخبِّط في أزماته من دون ان يكون إلى جانبه ويساهم في ترجيح كفته، فقرر ان يرمي المسؤولية على الحزب من منطلق انّ مهادنته لبري والحريري جعلتهما يستقويان بموقفه ضده.

 

ولكن نصرالله لا يستطيع ان يفعل شيئاً لباسيل، لأنه على طريقة المثل القائل «لو بَدّا تشتّي كانت غيّمت»، حيث انّ «حزب الله» لن يدخل اليوم على الملف الحكومي تجاوباً مع رغبة حليفه التيار، لأنه في صميم المبادرات الحكومية والسعي إلى التوفيق بين الثلاثي بري والحريري وباسيل، ولم يوفِّر جهداً على هذا المستوى إلا وقام به، ولكن من دون اي نتيجة تذكر. وبالتالي، المشكلة ليست في مبدأ الوساطة التي يتولاها الحزب أصلاً، إنما في جوهرها لجهة الانحياز الى مطالب باسيل، الأمر الذي ليس في وارد الحزب التجاوب معه، وقد رد بوضوح عليه إن من خلال قطعه الطريق لمرة نهائية في موضوع العلاقة مع بري بقوله إنّ «باسيل يعرف طبيعة العلاقة، وهو أذكى من الإقدام على التفريق بين الحزب والحركة»، او عبر إفهامه انه ليس في وارد التخلي عن تكليف الحريري بتأكيده «سوف نُكمل النقاش مع الرئيس برّي، الذي سيُناقش مع الرئيس الحريري. هذا الإطار هو الوحيد والمنطقي الذي يُمكن أن يوصل إلى نتيجة ويكون مُرضياً للرئيس ميشال عون وللرئيس المُكلّف، حتى إذا تفاهما أمكَن إخراج الحكومة».

 

فهذا الإطار الذي يتحدّث عنه السيد نصرالله هو إطار قديم ولم يوصل إلى حكومة، فما الجديد الذي يقدمه لباسيل من خلال تمسّكه بمبادرة بري التي اعتبرها العهد ساقطة كونها منحازة، او ما الجديد الذي يقدمه بإصراره على التفاهم بين عون والحريري؟ فلا جديد على الإطلاق، ما يعني استمرار القديم على قدمه، أي انّ الحكومة لن تبصر النور لأنّ الحزب ليس قادراً على التجاوب مع مطالب باسيل، فقرر ان يرضيه في الشكل من دون ان يبدِّل في موقفه في المضمون.

 

وفي موازاة موقفه الثابت من الحكومة، تولّى بالنيابة عن باسيل تفسير ما قصده الأخير بأنه «لم يستخدم كلمة تفويض أو تسليم أمر، بل هو حليف يستعين بحليف وصديق يستعين بصديق»، علماً انّ باسيل قال حرفيّاً انه يأتمن نصرالله على حقوق المسيحيين، ولكن في مطلق الأحوال جاء دفاعه عن باسيل بعدما شعر انّ موقف الأخير ارتدّ سلباً عليه داخل البيئة المسيحية وساهم بمزيد من إضعافه، فيما يميِّز الحزب بين عدم قدرته على التجاوب مع العهد حكومياً، وبين حاجته للغطاء المسيحي الذي يؤمنه العهد للحزب، فبادرَ إلى التوضيح في محاولة لامتصاص النقمة التي هبّت ضد العهد والناطق الرسمي باسمه.

 

فكل ما ورد في كلام السيد نصرالله قديم، ولكن الجديد الوحيد الذي يجب التوقُّف عنده يكمن في ردّه على كلام باسيل الذي كان قد توجّه إليه بالقول: «أقبل بما تقبل به أنت لنفسك»، فقال له نصرالله: «لا أنصح أحداً أن يتعاطى معنا على قاعدة أقبل ما تقبلون به لأنفسكم، لأنّ ظروفنا وأولوياتنا وموقعية «حزب الله» مختلفة، ولذلك لنا سياسات معينة وسلوك مُعين، أكان في ما يتعلّق بالانتخابات أو التمثيل في الحكومة والإدارة والسلطة، ولا توجد قوّة سياسية في لبنان تمتلك حجماً مشابهاً لقوة «حزب الله» وتقبل لنفسها ما يقبل به هو. لذلك، لا نُريد أن نُعالج الملفّ على هذه القاعدة».

 

فما الذي قصده نصرالله بهذا القول؟ وإلى ماذا يمهِّد؟ وهل يُمنِّن اللبنانيين بأنّ حجمه وقوته ودوره أكبر بكثير من حصته على مستوى الدولة، وانه على الرغم من ذلك لا يثير هذا الموضوع؟ وهل كان مضطراً إلى هذا التلميح أم كان باستطاعته عدم التوقف عنده؟ وما الرسالة من خلال كلامه للمرة الأولى عن دوره الكبير الذي لا يتناسب مع حجمه السلطوي الصغير؟ وهل ما قاله هو عفوي أم مقصود؟ وهل هو رسالة للعهد أم لجميع اللبنانيين؟

 

لا شك بداية بأنّ السيد تقصّد الكلام عن التناقض بين قوته وتمثيله من أجل ان يؤكد على الآتي:

 

أولاً، انّ حجمه على مستوى السلطة لا يتناسب مع حجمه على أرض الواقع.

ثانياً، انّ سكوته وقبوله بهذا الواقع لا يعني موافقته الدائمة عليه.

ثالثاً، انّ اتفاق الطائف يستدعي في الوقت المناسب تعديلاً لتصحيح الخلل بين النص وبين ما هو على أرض الواقع.

 

وقد تقصّد أيضاً توجيه رسالة إلى باسيل، كون الرد جاء على كلامه، بأنّ عليه ان يتواضَع لأنّ حجمه أصغر من حجم الحزب ويملك تمثيلاً أكبر منه، وتقصّد أيضاً وأيضاً التلويح، ولو بشكل مبطّن، باستخدام ورقة قوته ودوره وحجمه عندما يحين أوانها في رسالة مزدوجة، الشق الأول فيها إلى القوى السياسية في الداخل بأنّ عليها ان تثمِّن سكوته، ولو المؤقت، والشق الثاني الى المجتمع الدولي وتحديداً واشنطن في لحظة تفاوضها مع طهران بأن لا مصلحة لها بفتح النقاش حول سلاحه، لأنه حينذاك سيفتح النقاش حول حصته في السلطة.

 

وفي موازاة كل ذلك، فإنّ ما قاله السيد نصرالله بأنه «لا توجد قوّة سياسية في لبنان تمتلك حجماً مشابهاً لقوة «حزب الله» وتقبل لنفسها ما يقبل به هو» خطير للغاية، وهذه الخطورة تكمن في الآتي:

 

الخطورة الأولى انه يتجاهل بأنّ مصدر قوته الأساسي سببه الخروج عن الدستور إن بامتلاكه السلاح على حساب الدولة والسيادة، أو بدوره الذي لا علاقة له بلبنان والشعب اللبناني ويُسيء إلى البلد وشعبه، ومجرّد ان يسلِّم سلاحه تنتفي قوته الزائدة ويتساوى مع الآخرين.

 

الخطورة الثانية انه يُمنِّن اللبنانيين بعدم مطالبته بتعديلات دستورية تتناسب مع حجمه وقوته، ويلوِّح بمطالبة من هذا النوع في اي وقت من الأوقات، وإلا لما كان تطرّق الى هذا الأمر.

 

الخطورة الثالثة انه يعتبر انّ حجمه على الأرض لا يتناسب مع حجمه على مستوى السلطة، ولا يثير المسألة من مبدأ المقايضة مثلاً او تسييل السلاح مقابل السلطة، بل من منطلق انّ قوته تعكس حقيقة وضعه خلافاً للسلطة التي لا تعكس هذا الوضع، ما يعني انه يريد الحفاظ على سلاحه ودوره والسعي إلى تعزيز نفوذه السلطوي.

 

الخطورة الرابعة انه يتجاهل تماماً بأنّ المشكلة الأساسية في لبنان سببها قوته بالذات، كونها قوة على حساب الدولة وتتحمّل المسؤولية الكبرى في انهيار البلد وعزله عن الخارج.

 

فهل يمهِّد نصرالله، من خلال هذه الجملة المفتاح في خطابه، الطريق أمام المطالبة بتعديل دستوري في الوقت المناسب من أجل ان يتناسب حجمه في السلطة مع حجمه على الأرض؟ ولماذا قرر بق البحصة اليوم بأنّ الحزب منزعج وسكوته لا يعني الرضا عن التناقض بين تمثيله وقوته؟

 

وبمعزل عمّا يريده «حزب الله» او ما يريده أخصامه، إلا انّ الأكيد بأنّ لبنان لا يُحكم من حزب قائد على غرار حزب البعث في سوريا، ولن يخرج لبنان من أزمته سوى بعد تحقيق المساواة بين اللبنانيين وإعلاء الدولة والدستور والأولوية اللبنانية على كل الاعتبارات الأخرى.