لم يكرّر الامين العام لـ”حزب الله” نصيحته الاستعانة بالمحور الإيراني الصيني الروسي لحل أزمات لبنان الاقتصادية والمالية الخانقة، ولم يطرح بدائل ملموسة للمعالجة غير دعوة الأقرباء المحليين لترك خلافاتهم السياسية جانباً، والانصراف من خارج الحكومة وداخلها الى المساهمة في عملية انقاذ شاملة.
كانت هذه الفكرة الاخيرة لتبدو جيدة ومفعمة بالمودة والتضامن الإنساني لو التزم الامين العام دعوته ترك المواقف السياسية جانباً، لكن ما يطلبه من الآخرين لا يبدو انه يسري عليه. ففي الخطاب الإرشادي إياه ادانة لحكام البحرين الذين يتولون السلطة في هذا البلد منذ القرن الثامن عشر على الأقل وطردوا الفرس نهائياً منه في الربع الاخير من ذلك القرن، وهم يحاولون العودة اليوم عبر تأجيج صراع مذهبي لا أفق له… وفي الخطاب “نكزة” لا بد منها للسعودية في معرض التضامن الإنساني مع الحوثي، وفيه، وهنا زبدة القول، دعوة لمقاومة شاملة ضد اميركا تتضمن مقاطعة بضائعها كافة!!
لا تستقيم الدعوة لفصل السياسة عن الإجماع الاقتصادي، مع ابقاء حرية “حزب الله” في القول والفعل في الداخل والخارج وبلدان الاغتراب. فأحد وجوه المشكلة وأسبابها هو هذا الفلتان في التعامل مع البلدان العربية التي توفّر مصادر تمويل أساسية للاقتصاد اللبناني وخزينته، وأحد وجوهها ايضاً هذا العداء الموروث عن خبايا السياسة الايرانية تجاه اميركا، ما يلحق ضرراً يمكن تفاديه بلبنان واللبنانيين.
من حق الدول الاخرى ان تفعل ما تراه مناسباً لمصالحها، لكن مصلحة لبنان أمر يحدده اللبنانيون اصحاب القضية، والانتفاضة رسمت هذه المصلحة بدقة وحمّلت المسؤولية لمن يجب ان يتحملها، أما التوغل في تحميل البلد أوهام امبراطورية آفلة، ففيه خطأ ما بعده خطأ.